الحديبية في الشروط وغيرها أن أبان هذا أجاز عثمان بن عفان في الحديبية حتى دخل مكة وبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم في هذه الغزوة أن غزوة خيبر كانت عقب الرجوع من الحديبية، فيشعر ذلك بأن أبان أسلم عقب الحديبية حتى أمكن أن يبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، وقد ذكر الهيثم بن علي في الأخبار سبب إسلام أبان، فروى من طريق سعيد بن العاص قال: قتل أبي يوم بدر، فرباني عمي أبان، وكان شديداً على النبي صلى الله عليه وسلم يسبه إذا ذكر، فخرج إلى الشام فرجع فلم يسبه، فسئل عن ذلك، فذكر أنه لقي راهباً فأخبره بصفته ونعته، فوقع في قلبه تصديقه، فلم يلبث أن خرج إلى المدينة فأسلم، فإن كان هذا ثابتاً احتمل أن يكون خروج أبان إلى الشام كان قبل الحديبية.
قيل وقع في إحدى الطريقين ما يدخل في قسم المقلوب، فإن في رواية ابن عيينة أن أبا هريرة السائل أن يقسم له، وأن أبان هو الذي أشار بمنعه. وفي رواية الزبيدي أن أبان هو الذي سأل، وأن أبا هريرة هو الذي أشار بمنعه، وقد رجح الذهلي رواية الزبيدي. ويؤيد ذلك وقوع التصريح في روايته بقول النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا اجلس. ولم يقسم لهم، ويحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون كل من أبان وأبي هريرة أشار أن لا يقسم للآخر، ويدل عليه أن أبا هريرة احتج على أبان بأنه قاتل ابن قوقل، وأبان احتج على أبي هريرة بأنه ليس ممن له في الحرب يد يستحق بها النفل، فلا يكون فيه قلب، وقد سلمت رواية السعيدي من هذا الاختلاف، فإنه لم يتعرض في حديثه لسؤال القسمة أصلاً. والله أعلم. ا. هـ فتح.
فائدة: الذي يبدو لي أن هذه السرية كانت للفت الأنظار عن غزوة خيبر، وتثبيت بعض القبائل التي يحتمل أن تمد خيبر، فقد ورد في ابن هشام عن ابن إسحاق:
فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا له، ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه، حتى إذا ساروا منقلة - مرحلة - سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حسا، وظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم، فرجعوا على أعقابهم، فأقاموا في أهليهم وأموالهم، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر.