فأراد أبو عبيدة أن يؤم بهم فمنعه عمرو وقال: إنما قدمت علي مدداً وأنا الأمير، فأطاع له أبو عبيدة فصلى بهم عمرو، وتقدم في التيمم أنه (احتلم في ليلة باردة فلم يغتسل وتيمم وصلى بهم) الحديث. وسار عمرو حتى وطئ بلاد بلي وعذرة، وكذا ذكر موسى بن عقبة نحو هذه القصة، وذكر ابن إسحاق أن أم عمرو بن العاص كانت من بلي فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عمراً يستنفر الناس إلى الإسلام ويستألفهم بذلك، وروى إسحاق بن راهويه والحاكم من حديث بريدة أن عمرو بن العاص أمرهم في تلك الغزوة أن لا يوقدوا ناراً، فأنكر ذلك عمر، فقال أبو بكر: دعه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعثه علينا إلا لعلمه بالحرب، فسكت عنه. فهذا السبب أصح إسناداً من الذي ذكره ابن إسحاق، لكن لا يمنع الجمع. وروى ابن حبان من طريق قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في ذات السلاسل، فسأله أصحابه أن يوقدوا ناراً فمنعهم، فكلموا أبا بكر فكلمه في ذلك فقال: لا يوقد أحد منهم ناراً إلا قذفته فيها قال فلقوا العدو فهزمهم، فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم، فلما انصرفوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فساله فقال: كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا ناراً فيرى عدوهم قلتهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد. فحمد أمره. فقال: يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ الحديث. فاشتمل هذا السياق على فوائد زوائد، ويجمع بينه وبين حديث بريدة بأن أبا بكر سأله فلم يجبه فسلم له أمره، وألحوا على أبي بكر حتى يسأله فسأله فلم يجبه.
قوله (فأتيته) في رواية معلى بن منصور المذكورة (قدمت من جيش ذات السلاسل، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم) وعند البيهقي من طريق علي بن عاصم عن خالد الحذاء في هذه القصة قال عمرو: فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على قوم فيهم أبو بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده، فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله من أحب الناس إليك) الحديث. قوله (فعد رجالاً) في رواية علي بن عاصم قال قلت في نفسي لا أعود لمثلها أسأل عن هذا وفي الحديث جواز تأمير المفضول على الفاضل إذا امتاز المفضول بصفة تتعلق بتلك الولاية ومزية أبي بكر على الرجال وبنته عائشة على النساء، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في المناقب، ومنقبة لعمرو بن العاص لتأميره على جيش فيهم أبو بكر وعمر وإن كان ذلك لا يقتضي