للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

هذا أماناً منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة، فمن ثم قال الشافعي: كانت مكة مأمونة ولم يكن فتحها عنوة، والأمان كالصلح. وأما الذين تعرضوا للقتال أو الذين استثنوا من الأمان وأمر أن يقتلوا ولو تعلقوا بأستار الكعبة فلا يستلزم ذلك أنها فتحت عنوة. ويمكن الجمع بين حديث أبي هريرة في أمره صلى الله عليه وسلم بالقتال وبين حديث الباب في تأمينه صلى الله عليه وسلم لهم بأني كون التأمين علق بشرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال، فلما تفرقوا إلى دورهم ورضوا بالتأمين المذكور لم يستلزم أن أوباشهم الذين لم يقبلوا ذلك وقاتلوا خالد بن الوليد ومن معه فقاتلهم حتى قتلهم وهزمهم أن تكون البلد فتحت عنوة، لأن العبرة بالأصول لا بالأتباع وبالأكثر لا بالأقل، ولا خلاف مع ذلك أنه لم يجر فيها قسم غنيمة ولا سبي من أهلها ممن باشر القتال أحد، وهو ما يؤيد قول من قال لم يكن فتحها عنوة. وعند أبي داود بإسناد حسن "عن جابر أنه سئل: هل غنمتم يوم الفتح شيئاً؟ قال: لا" وجنحت طائفة - منهم الماوردي - إلى أن بعضها فتح عنوة لما وقع من قصة خالد بن الوليد المذكورة، وقرر ذلك الحاكم في "الإكليل". والحق أن صورة فتحها كان عنوة معاملة أهلها معاملة من دخلت بأمان، ومنع جمع منهم السهيلي ترتب عدم قسمتها وجواز بيع دورها وإجارتها على أنها فتحت صلحاً، أما أولاً لفلأن الإمام محير في قسمة الأرض بين الغانمين إذا انتزعت من الكفار وبين إبقائها وقفاً على المسلمين، ولا يلزم من ذلك منع بيع الدور وإجارتها. وأما ثانياً فقال بعضهم: لا تدخل الأرض في حكم الأموال، لأن من مضى كانوا إذا غلبوا على الكفار لم يغنموا الأموال، فتنزل النار فتأكلها وتصير الأرض عموماً لهم كما قال الله تعالى (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) (١) الآية. وقال (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها) (٢) الآية. والمسألة مشهورة فلا نطيل بها هنا. اهـ.

٦٠٧ - * روى مسلم عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة قال: وفدت وفود إلى


(١) المائدة ٢١.
(٢) الأعراف ١٣٧.
٦٠٧ - مسلم (٣/ ١٤٠٥) ٣٢ - كتاب الجهاد والسير - ٣١ - باب فتح مكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>