الدعوات التي تقوم على أساس عقدي أو فكري يعتبر الزمن عاملاً من عوامل التقسيم، وندر من يستطيع التقدم بمجرد الدخول في الدعوة، ولا شك أن الاحتياط ضروري، ولكن هناك حالات لا مبرر فيها للاحتياط إذا دلت ظواهر قاطعة على النضج والصدق، والوحي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمارات وفراسة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادقة كل ذلك لا يمر معه كذب الكاذبين، وبالتالي فبالإمكان أن يستفاد من صدق الصادقين مباشرة والملاحظ أنه لم يمر على إسلام خالد وعمرو بن العاص إلا فترة قريبة حتى بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلفهما بمهمات ويؤمرهما على من هم أقدم إسلاماً منهما، وفي ذلك درس للحركة الإسلامية.
٥ - من أحداث السنة الثامنة أن بعض عبدان الطائف فروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحررهم، ثم لم يرجعهم إلى العبودية حتى بعد إسلام سادتهم ولقد دفع كل واحد من هؤلاء إلى رجل يطعمه ويؤويه ويعلمه، وفي هذه الحادثة درس من أعظم دروس السيرة النبوية: من ذلك أن نقل العبيد إلى الحرية يقتضي إجراءات مناسبة حتى لا يضيع هؤلاء ومن هذه الدروس وهي أهمها نقل التكاليف العامة إلى تكاليف خاصة، وهذه من أوائل مهام القيادات والأمراء.
فمهما كانت الجماعات راقية، والمجتمعات متكاتفة عارفة بواجباتها فإن إمكانية ضياع الحقوق والتكاليف العامة موجودة ما لم تتحول هذه التكاليف العامة إلى تكليف محدد لشخص محدد، ومن هنا أوجدت المؤسسات والوظائف والجهات المختصة، وهذا المعنى نجده بارزاً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما من تكليف عام إلا وينقله إلى تكليف شخصي، فههنا عبيد أسلموا فحررهم وكلف بكل واحد منهم من يقوم بأوده، وهذا دأبه عليه الصلاة والسلام في الواجبات العامة من جهاد إلى تعليم إلى ضيافة إلى غير ذلك من مهام.