(فَيُعْتِقُهَا) عَنْ زَكَاتِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: ٦٠] وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِلْقِنِّ، بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ، لِأَنَّ الرَّقَبَةَ إذَا أُطْلِقَتْ انْصَرَفَتْ إلَيْهِ، وَتَقْدِيرُهَا: وَهِيَ فِي إعْتَاقِ الرِّقَابِ، (وَلَهُ وَلَاؤُهَا) لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . (وَ) يُجْزِئُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يَفْدِيَ بِهَا أَسِيرًا مُسْلِمًا) نَصًّا، لِأَنَّهُ فَكُّ رَقَبَةٍ مِنْ الْأَسْرِ، فَهُوَ كَفَكِّ الْقِنِّ مِنْ الرِّقِّ، وَإِعْزَازًا لِلدِّينِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: (وَمِثْلُهُ) لَوْ (دَفَعَ لِفَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَرَّمَهُ سُلْطَانٌ مَالًا لِيَدْفَعَ جَوْرَهُ) ، فَيُجْزِئُهُ. وَ (لَا) يُجْزِئُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يُعْتِقَ قِنَّهُ أَوْ مُكَاتَبًا عَنْهَا) ، أَيْ: عَنْ زَكَاتِهِ، لِأَنَّ أَدَاءَ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ تَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ. وَكَذَا لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ مِنْهَا لِمَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ مَالٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ التِّجَارَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي قِيمَتِهِمْ لَا فِي عَيْنِهِمْ. (وَمَا أَعْتَقَ إمَامٌ أَوْ سَاعٍ مِنْهَا) ، أَيْ: الزَّكَاةِ (فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ، وَمَا أَعْتَقَهُ رَبُّ الْمَالِ فَوَلَاؤُهُ لَهُ.
(السَّادِسُ: غَارِمٌ) وَهُوَ ضَرْبَانِ: الْأَوَّلُ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (تَدَيَّنَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ) ، أَيْ: وَصْلٍ، كَقَبِيلَتَيْنِ، أَوْ أَهْلِ قَرْيَتَيْنِ، (وَلَوْ بَيْنَ أَهْلِ ذِمَّةٍ) تَشَاجَرُوا فِي دِمَاءٍ أَوْ أَمْوَالٍ وَخِيفَ مِنْهُ، فَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمْ رَجُلٌ وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، وَالْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ مَالًا عِوَضًا عَمَّا بَيْنَهُمْ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ، فَقَدْ أَتَى مَعْرُوفًا عَظِيمًا، فَكَانَ مِنْ الْمَعْرُوفِ حَمْلُهُ عَنْهُ مِنْ الصَّدَقَةِ
لِئَلَّا يُجْحِفَ بِسَادَةِ الْقَوْمِ الْمُصْلِحِينَ
، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْحَمَالَةَ - بِفَتْحِ الْحَاءِ - ثُمَّ يَخْرُجُ فِي الْقَبَائِلِ يَسْأَلُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، فَأَقَرَّتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute