(وَحَرُمَ أَنْ يُفْتِيَ فِي حَالِ لَا يَحْكُمُ فِيهَا كَغَضَبٍ وَنَحْوِهِ كَحَرٍّ) مُفْرِطٍ وَبَرْدٍ مُفْرِطٍ وَمَلَلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُغَيِّرُ الْفِكْرَ، (فَإِنْ أَفْتَى) فِي تِلْكَ الْحَالِ (وَأَصَابَ الْحَقَّ) ؛ صَحَّ جَوَابُهُ، وَكُرِهَ.
[فَصْلٌ حُكْمُ الْفَتْوَى مِنْ الْعَبْد وَالْمَرْأَة وَالْقَرِيب وَالْأُمِّيّ وَالْأَخْرَسَ]
فَصْلٌ (وَيَصِحُّ فَتْوَى عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَقَرِيبٍ وَأُمِّيٍّ وَأَخْرَسَ) بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ كَخَبَرِهِمْ، وَتَصِحُّ الْفُتْيَا (مَعَ جَرِّ نَفْعٍ وَدَفْعِ ضَرَرٍ وَعَلَى عَدُوٍّ) وَأَنْ يُفْتِيَ أَبَاهُ وَابْنَهُ وَشَرِيكَهُ وَسَائِرَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَزَوْجَتِهِ وَمُكَاتَبِهِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ بَيَانُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ، وَلَيْسَ مِنْهُ إلْزَامٌ، بِخِلَافِ الْحَاكِمِ.
وَلَا (تَصِحُّ) الْفُتْيَا، (مِنْ فَاسِقٍ) لِغَيْرِهِ (وَلَوْ مَسْتُورًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمِينٍ عَلَى مَا يَقُولُ (وَيُفْتِي مُجْتَهِدٌ فَاسِقٌ نَفْسَهُ) لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْفَاسِقِ فِي الْفُتْيَا أَنْ يَسْأَلَهُ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْوُثُوقِ بِهِ، وَالْحَاكِمُ كَغَيْرِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ.
(وَيُقَلِّدُ) الْمُجْتَهِدَ (الْعَدْلَ وَلَوْ مَيِّتًا، وَهُوَ) ؛ أَيْ: تَقْلِيدُهُ (كَالْإِجْمَاعِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ) لِقُصُورِ الْهِمَمِ عَنْ تَحْصِيلِ الْكِمَالَاتِ، وَلِبَقَاءِ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْإِجْمَاعِ، وَكَالْحَاكِمِ وَالشَّاهِد لَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ وَلَا شَهَادَتُهُ بِمَوْتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَذَاهِبُ لَا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ (يُقَلِّدَ عَامِّيٌّ مَنْ ظَنَّهُ عَالِمًا) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ أُنْثَى أَوْ أَخْرَسَ بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ، وَكَذَا مَنْ رَآهُ مُنْتَصِبًا لِلْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ مُعَظَّمًا لِأَنَّهُ دَلِيلُ عِلْمِهِ (لَا إنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ فِي " الرَّوْضَةِ " وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ، وَالطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ " وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُ جَوَازِ التَّقْلِيدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute