[فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ]
(فَصْلٌ) فِي النِّفَاسِ، وَهُوَ: بَقِيَّةُ الَّذِي احْتَبَسَ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ لِأَجْلِهِ، وَأَصْلُهُ لُغَةً مِنْ التَّنَفُّسِ، وَهُوَ: الْخُرُوجُ مِنْ الْجَوْفِ، أَوْ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ، أَيْ: فَرَّجَهَا. (وَالنِّفَاسُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَحْدِيدُهُ فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ قَلِيلًا وَكَثِيرًا، وَرُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ تَرَ دَمًا فَسُمِّيَتْ ذَاتَ الْجُفُوفِ» وَلِأَنَّ الْيَسِيرَ دَمٌ وُجِدَ عَقِبَ سَبَبِهِ فَكَانَ نِفَاسًا كَالْكَثِيرِ (وَهُوَ) - أَيْ: النِّفَاسُ - فِي الْعُرْفِ: دَمٌ (تُرْخِيهِ الرَّحِمُ مَعَ وِلَادَةٍ وَقَبْلَهَا) - أَيْ: الْوِلَادَةِ - (بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِأَمَارَةٍ) - أَيْ: عَلَامَةٍ - عَلَى الْوِلَادَةِ كَالتَّأَلُّمِ، وَإِلَّا فَلَا تَجْلِسُهُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ أَعَادَتْ مَا تَرَكَتْهُ، (وَبَعْدَهَا) - أَيْ: الْوِلَادَةِ - (إلَى تَمَامِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ ابْتِدَاءِ خُرُوجِ بَعْضِ وَلَدٍ) . حَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: هُوَ السُّنَّةُ الْمَجْمَعُ عَلَيْهِ.
(فَلَوْ وَضَعَتْ تَوْأَمَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَأَوَّلُ نِفَاسٍ وَآخِرُهُ مِنْ) ابْتِدَاءِ خُرُوجِ بَعْضِ (الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ خَرَجَ عَقِبَ الْوِلَادَةِ، فَكَانَ نِفَاسًا وَاحِدًا كَحَمْلٍ وَاحِدٍ وَوَضْعِهِ، (فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا) - أَيْ: التَّوْأَمَيْنِ - (أَرْبَعُونَ) يَوْمًا (فَأَكْثَرُ فَلَا نِفَاسَ لِلثَّانِي) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ تَبَعٌ لِلْأَوَّلِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي آخِرِ النِّفَاسِ كَأَوَّلِهِ، بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ لَا يَصْلُحُ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا.
(وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ) - أَيْ: النِّفَاسِ - (بِوَضْعِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute