لِلْآخَرِ (جَعْلُهُ) ؛ أَيْ: جَعْلُ مَا بَعْدَ الْبَابِ الْأَوَّلِ (دِهْلِيزًا لِنَفْسِهِ، وَلَهُ إدْخَالُهُ فِي دَارِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِجَارِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ كَيْفَ شَاءَ بِلَا ضَرَرٍ.
(وَمَنْ لَهُ بَابُ سِرٍّ) يَخْرُجُ مِنْهُ النِّسَاءُ أَوْ الرِّجَالُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَطْرِقَ مِنْهُ اسْتِطْرَاقًا عَامًّا، فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الِاسْتِطْرَاقَ كَذَلِكَ، فَلَا يَتَجَاوَزُهُ.
(وَمَنْ خَرَقَ بَيْنَ دَارَيْنِ لَهُ) ؛ أَيْ: الْخَارِقِ (مُتَلَاصِقَتَيْنِ) مِنْ ظَهْرِهِمَا (بَابُهُمَا فِي دَرْبَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ) ؛ أَيْ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ وَاسْتَطْرَقَ بِالْخَرْقِ (إلَى كُلٍّ) مِنْ الدَّارَيْنِ (مِنْ) الْبَابِ (الْآخَرِ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَطْرَقَ مِنْ كُلِّ دَرْبٍ إلَى دَارِهِ الَّتِي فِيهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ مِنْهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ؛ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ لَهَا بَابَانِ يَدْخُلُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَخْرُجُ مِنْ الْآخَرِ.
[فَصْلٌ يَحْرُمُ عَلَى الْمَالِكِ أَنْ يُحْدِثَ بِمِلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ]
(فَصْلٌ:) (وَحَرُمَ) عَلَى مَالِكٍ (أَنْ يُحْدِثَ بِمِلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ) ؛ لِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ (كَحَمَّامٍ) يَتَأَذَّى جَارُهُ بِدُخَانِهِ، أَوْ يُنَضِّرُ حَائِطَهُ بِمَائِهِ، وَمِثْلُهُ مَطْبَخُ سُكَّرٍ (وَكَنِيفٌ مُلَاصِقٌ لِحَائِطِ جَارِهِ) يَتَأَذَّى بِرِيحِهِ، أَوْ يَصِلُ إلَى بِئْرِهِ، (وَرَحًى) يَهْتَزُّ بِهَا حِيطَانُهُ، (وَتَنُّورٌ) يَتَعَدَّى دُخَانُهُ إلَيْهِ، (وَعَمَلُ دُكَّانِ قِصَارَةٍ أَوْ حِدَادَةٍ يَتَأَذَّى بِكَثْرَةِ دَقًّ وَبِهَزِّ الْحِيطَانِ) ؛ لِلْخَبَرِ. (وَ) يَحْرُمُ (غَرْسُ شَجَرٍ نَحْوِ تِينٍ) كَجُمَّيْزٍ (تَسْرِي عُرُوقُهُ) ؛ أَيْ: أُصُولُهُ (فَتَشُقُّ مَصْنَعَ غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: جَارِهِ (وَحَفْرُ بِئْرٍ يَقْطَعُ مَاءَ بِئْرِ جَارِهِ وَسَقْيٌ وَإِشْعَالُ نَارٍ يَتَعَدَّيَانِ) إلَى جَارِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يُؤْذِيهِ.
(وَيَضْمَنُ) مَنْ أَحْدَثَ بِمِلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ (مَا تَلِفَ بِذَلِكَ) بِسَبَبِ الْإِحْدَاثِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، (وَلِجَارِهِ مَنْعُهُ إنْ أَحْدَثَ ذَلِكَ كَابْتِدَاءِ إحْيَائِهِ) ؛ أَيْ: كَمَا لَهُ مَنْعُهُ مِنْ إحْيَاءِ مَا بِجِوَارِهِ؛ لِتَعَلُّقِ مَصَالِحِهِ بِهِ كَمَا لَهُ مَنْعُهُ مِنْ دَقٍّ وَسَقْيٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute