للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ]

(الْجِنَايَاتُ: جَمْعُ جِنَايَةٍ، وَهِيَ) لُغَةً: التَّعَدِّي عَلَى بَدَنٍ أَوْ مَالٍ، وَشَرْعًا: (التَّعَدِّي عَلَى الْبَدَنِ بِمَا يُوجِبُ قِصَاصًا أَوْ مَالًا) وَتُسَمَّى الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَالِ: غَصْبًا وَسَرِقَةً وَخِيَانَةً وَإِتْلَافًا وَنَهْبًا (وَالْقَتْلُ ظُلْمًا مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ) عِنْدَ اللَّهِ، وَدَرَجَتُهُ فِي الْعِظَمِ بِحَسَبِ مَفْسَدَتِهِ فِي نَفْسِهِ، فَقَتْلُ الْإِنْسَانِ وَلَدَهُ الطِّفْلَ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا ذَنْبَ لَهُ - وَقَدْ جَبَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْقُلُوبَ عَلَى رَحْمَتِهِ وَعَطْفِهَا عَلَيْهِ وَخَصَّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ ذَلِكَ بِمَزِيَّةٍ ظَاهِرَةٍ خَشْيَةَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي مَطْمَعِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَالِهِ - مِنْ أَقْبَحِ الظُّلْمِ وَأَشَدِّهِ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ أَبَوَيْهِ اللَّذَيْنِ كَانَا سَبَبًا لِوُجُودِهِ، وَكَذَلِكَ قَتْلُهُ ذَا رَحِمِهِ.

وَتَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُ الْقَتْلِ بِحَسَبِ قُبْحِهِ وَاسْتِحْقَاقِ مَنْ قَتَلَهُ لِلسَّعْيِ فِي إبْقَائِهِ، وَنَصِيحَتِهِ، وَلِهَذَا كَانَ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، وَيَلِيهِ مَنْ قَتَلَ إمَامًا عَادِلًا أَوْ عَالِمًا يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْقِسْطِ، وَيَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ، وَيَنْصَحُهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ جَزَاءَ قَتْلِ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ عَمْدًا الْخُلُودَ فِي النَّارِ وَغَضَبَ الْجَبَّارِ وَلَعْنَتَهُ، وَإِعْدَادَ الْعَذَابِ الْعَظِيمِ لَهُ، هَذَا مُوجِبُ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ.

وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِسْلَامَ الْوَاقِعَ بَعْدَ الْقَتْلِ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا مَانِعٌ مِنْ نُفُوذِ ذَلِكَ الْجَزَاءِ (وَقَدْ جَرَى فِي تَوْبَتِهِ) ؛ أَيْ: الْقَاتِلِ عَمْدًا عُدْوَانًا (خِلَافٌ كَبِيرٌ) بَيْنَ أَصْحَابِنَا. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ " الدَّاءُ وَالدَّوَاءُ ": وَهَلْ تَمْنَعُ تَوْبَةُ الْمُسْلِمِ مِنْهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، فَاَلَّذِينَ قَالُوا: لَا تَمْنَعُ التَّوْبَةُ مِنْ نُفُوذِهِ، رَأَوْا أَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ لَمْ يَسْتَوْفِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَخَرَجَ مِنْهُمَا بِظِلَامَتِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>