[فَصْلٌ تَحْرِيمُ الْقَذْفُ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ]
فَصْلٌ (وَيَحْرُمُ الْقَذْفُ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرَى زَوْجَتَهُ تَزْنِي [فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْ] ) هَا (فِيهِ، فَيَعْتَزِلُهَا، ثُمَّ تَلِدُ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ الزَّانِي، فَيَلْزَمُهُ قَذْفُهَا وَنَفْيِهِ) ؛ أَيْ: الْوَلَدِ بِاللِّعَانِ؛ لِجَرَيَانِ ذَلِكَ مَجْرَى الْيَقِينِ فِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي حَيْثُ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْئِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْفِ الْوَلَدَ [لَحِقَهُ،] وَوَرِثَهُ وَوَرِثَ أَقَارِبَهُ، وَوَرِثُوا مِنْهُ وَنَظَرَ إلَى بَنَاتِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَنَحْوِهِنَّ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ فَوَجَبَ نَفْيُهُ إزَالَةً لِذَلِكَ، وَلِحَدِيثِ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَقَوْلُهُ: وَيَنْظُرُ إلَيْهِ، يَعْنِي يَرَى الْوَلَدَ مِنْهُ، فَكَمَا حَرَّمَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَالرَّجُلُ مِثْلُهَا وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا، وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهَا؛ فَهُوَ كَمَا لَوَرَآهَا تَزْنِي (وَكَذَا إنْ وَطِئَهَا) هُوَ؛ أَيْ: زَوْجُهَا (فِي طُهْرٍ زَنَتْ فِيهِ، وَقَوِيَ فِي ظَنِّهِ) ؛ أَيْ: الزَّوْجِ (أَنْ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي لِشَبَهِهِ بِهِ) ؛ أَيْ: الزَّانِي (وَنَحْوِهِ كَعُقُمِ زَوْجٍ) ؛ أَيْ: كَكَوْنِ الزَّوْجِ عَقِيمًا، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ تَحَقُّقِ الزِّنَا دَلِيلٌ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي، وَلِقِيَامِ غَلَبَةِ الظَّنِّ مَقَامَ التَّحْقِيقِ.
الْمَوْضِعُ (الثَّانِي أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي، وَلَمْ تَلِدْ مَا) ؛ أَيْ: وَلَدًا (يَلْزَمُهُ نَفْيُهُ) بِأَنْ لَمْ تَلِدْ، أَوْ وَلَدَتْ مَا لَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْ زَانٍ (أَوْ يَسْتَفِيضَ زِنَاهَا) بَيْنَ النَّاسِ أَوْ يُخْبِرَهُ بِهِ ثِقَةٌ لَا عَدَاوَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا (أَوْ يَرَى رَجُلًا مَعْرُوفًا بِهِ) ؛ أَيْ: الزِّنَا (عِنْدَهَا؛ فَيُبَاحُ لِزَوْجِهَا قَذْفُهَا بِهِ) ؛ أَيْ: بِالرَّجُلِ الْمَعْرُوفِ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا يُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ زِنَاهَا، وَلَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى غَيْرِهَا حَيْثُ لَمْ تَلِدْ، وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ [يُمْكِنُ فِرَاقُهَا، (وَفِرَاقُهَا أَوْلَى) مِنْ قَذْفِهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَلِأَنَّ قَذْفَهَا يُفْضِي إلَى حَلِفِ] أَحَدِهِمَا كَاذِبًا إنْ تَلَاعَنَا أَوْ إقْرَارِهَا؛ فَتَفْتَضِحُ.
وَلَا يَجُوزُ قَذْفُهَا بِخَبَرِ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهَا، وَلَا بِرُؤْيَتِهِ رَجُلًا عِنْدَهَا غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالزِّنَا إنْ لَمْ يَسْتَفِضْ زِنَاهَا؛ لِجَوَازِ دُخُولِهِ سَارِقًا وَنَحْوِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute