[فَصْلٌ يَمْلِكُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ شَفِيعٌ مَلِيءٌ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ]
(فَصْلٌ: وَيَمْلِكُ الشِّقْصَ) الْمَشْفُوعَ (شَفِيعٌ مَلِيءٌ بِلَا حُكْمِ) حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ؛ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (بِقَدْرِ ثَمَنِهِ) الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ شِرَاؤُهُ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «هُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ» . رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَمِ. وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الشِّقْصَ بِالْبَيْعِ، فَكَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِالثَّمَنِ كَالْمُشْتَرِي. لَا يُقَالُ الشَّفِيعُ اسْتَحَقَّ أَخْذَ الشِّقْصِ بِغَيْرِ رِضَى مَالِكِهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ؛ كَالْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ اسْتَحَقَّهُ بِسَبَبِ حَاجَتِهِ، فَكَانَ الْمَرْجِعُ فِي بَدَلِهِ إلَى قِيمَتِهِ، وَالشَّفِيعُ اسْتَحَقَّهُ بِالْبَيْعِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِالْعِوَضِ الثَّابِتِ بِهِ (الْمَعْلُومِ) لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ أَخْذٌ بِعِوَضِهَا، فَاشْتُرِطَ أَنْ يَعْلَمَهُ بَاذِلٌ قَبْلَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْتِزَامِهِ؛ كَمُشْتَرِي الْمَبِيعِ، وَحَيْثُ تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ كَالْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ (يَدْفَعُ) لِمُشْتَرٍ (مِثْلَ) ثَمَنِ (مِثْلِيٍّ) - أَيْ: قَدْرَهُ مِنْ جِنْسِهِ - (بِمِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ) ؛ لِأَنَّ هَذَا مِثْلٌ مِنْ طَرِيقِ الصُّورَةِ وَالْقِيمَةِ، فَكَانَ أَوْلَى مِمَّا سِوَاهُ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ بَدَلُ الثَّمَنِ، فَكَانَ مِثْلُهُ كَبَدَلِ الْقَرْضِ وَالْمُتْلَفِ. وَيَدْفَعُ لِمُشْتَرٍ (قِيمَةَ) ثَمَنٍ (مُتَقَوِّمٍ) مِنْ حَيَوَانٍ وَثِيَابٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا بَدَلَهُ فِي الْإِتْلَافِ، وَالْمُرَادُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ، وَالِاعْتِبَارُ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ أَوْ نَقْصِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَ لُزُومِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ. وَيَأْتِي.
(فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَى شَفِيعٍ مِثْلُ (مِثْلِيٍّ) ؛ بِعَدَمِهِ فَعَلَيْهِ (قِيمَتُهُ إذَنْ) - أَيْ: يَوْمَ إعْوَازِهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلَهُ فِي الْإِتْلَافِ، (أَوْ) تَعَذَّرَتْ (مَعْرِفَةُ قِيمَةِ) ثَمَنٍ (مُتَقَوِّمٍ) بِتَلَفٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ فَعَلَى شَفِيعٍ (قِيمَةُ شِقْصٍ) مَشْفُوعٍ إذَنْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ فِيهَا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ؛ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَكَانَتْ مُحَابَاةً وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute