لَوْ مَاتَ مَنْ يُرِيدُ الْقَبُولَ بَعْدَ إيجَابِ صَاحِبِهِ لَمْ يَقُمْ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْقَبُولِ، وَلِأَنَّا لَا نَعْلَمُ بَقَاءَهُ عَلَى الشُّفْعَةِ؛ لِاحْتِمَالِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا، وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ مَا شُكَّ فِي ثُبُوتِهِ.
وَ (لَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِمَوْتِ شَفِيعٍ (بَعْدَ طَلَبِهِ) أَيْ: الْمُشْتَرِي بِهَا - (أَوْ بَعْدَ إشْهَادٍ بِهِ) - أَيْ: الطَّلَبِ - (حَيْثُ اُعْتُبِرَ) الْإِشْهَادُ، كَمَرَضِ شَفِيعٍ أَوْ غَيْبَتِهِ عَنْ الْبَلَدِ، (وَتَكُونُ) الشُّفْعَةُ إذَا مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ (لِوَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ) كَسَائِرِ حُقُوقِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ يَنْتَقِلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ. ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَالسَّامِرِيُّ وَابْنُ رَجَبٍ وَغَيْرُهُمْ. وَلَا فَرْقَ فِي الْوَارِثِ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَعَصَبَتِهِ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَبَيْتِ الْمَالِ، فَيَأْخُذُهُ الْإِمَامُ بِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَارِثٌ خَاصٌّ يَسْتَغْرِقُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ أَوْ رَدٍّ أَوْ رَحِمٍ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ.
(فَإِنْ تَرَكَ بَعْضُهُمْ) - أَيْ: الْوَرَثَةِ - حَقَّهُ مِنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ (فَكَمَا مَرَّ) مِنْ أَنَّهُ يَتَوَفَّرُ الْحَقُّ عَلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَأْخُذُوا الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكُوا الْكُلَّ؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْبَعْضِ وَتَرْكِ الْبَعْضِ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي، لَكِنْ عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الشَّفِيعَ يَمْلِكُ الشِّقْصَ بِالطَّلَبِ لَا يَتَأَتَّى الْعَفْوُ بَعْدَهُ، بَلْ يَنْتَقِلُ الشِّقْصُ إلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِمْ قَهْرًا عَلَيْهِمْ، وَيُؤْخَذُ ثَمَنُهُ مِنْ التَّرِكَةِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ.
(وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ لَهُ شَفِيعَانِ، فَعَفَا أَحَدُهُمَا) عَنْ الشُّفْعَةِ، (وَطَلَبَ الْآخَرُ، ثُمَّ مَاتَ الطَّالِبُ؛ فَوَرِثَهُ) الشَّرِيكُ (الْعَافِي) عَنْ الشُّفْعَةِ؛ (فَلَهُ أَخْذُ الشِّقْصِ بِهَا) - أَيْ: بِالشُّفْعَةِ - لِأَنَّ عَفْوَهُ أَوَّلًا عَنْ حَقِّهِ الثَّابِتِ بِالْبَيْعِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ الْمُتَجَدِّدَ بِالْإِرْثِ، وَإِذَا حَقَّقْتَ النَّظَرَ فَالْمِلْكُ قَدْ انْتَقَلَ إلَى الطَّالِبِ بِالطَّلَبِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِهِ وِرَاثَةً. فَقَوْلُهُ: فَلَهُ الْأَخْذُ إنَّمَا هُوَ مُجَارَاةٌ لِلْخَصْمِ، وَإِلَّا فَهُوَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ قَهْرًا.
تَنْبِيهٌ: ثَلَاثَةٌ يَسْقُطُ حَقُّهُمْ قَبْلَ أَنْ يُطَالِبُوا: الشَّفِيعُ، وَالْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ، وَالْمَقْذُوفُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute