فَوْرًا) مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ؛ لِأَنَّهُ يَأْثَمُ بِاسْتِدَامَتِهِ تَحْتَ يَدِهِ؛ لِحَيْلُولَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، (فَلَا تَصِحُّ تَوْبَتُهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (بِدُونِهِ) - أَيْ: الرَّدِّ - إذْ تَوْبَتُهُ مَعَ بَقَائِهِ تَحْتَ يَدِهِ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا.
(وَلَوْ أَلْقَى نَحْوُ رِيحٍ) كَطَائِرٍ (ثَوْبَ غَيْرِهِ بِدَارِهِ) ؛ لَزِمَ حِفْظُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى رَبِّهِ، فَإِنْ عَرَفَ رَبُّ الدَّارِ صَاحِبَ الثَّوْبِ (أَعْلَمَهُ بِهِ فَوْرًا) مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ، (وَإِلَّا) يَعْلَمُهُ فَوْرًا وَتَلِفَ الثَّوْبُ؛ (ضَمِنَهُ) رَبُّ الدَّارِ إنْ مَضَى زَمَنٌ يَتَأَتَّى فِيهِ إعْلَامُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْفِظْهُ، (فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ) - أَيْ: رَبُّ الدَّارِ صَاحِبَ الثَّوْبِ - فَهُوَ (لُقَطَةٌ) تَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُهَا عَلَى مَا يَأْتِي.
(وَكَذَا) حُكْمُ (طَائِرٍ) أَلْقَتْهُ رِيحٌ أَوْ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ بِدَارِهِ، وَهُوَ (غَيْرُ مُمْتَنِعٍ) ؛ كَمَقْصُوصِ الْجُنَاحِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفِرَارِ مِنْ قَاصِدِهِ؛ يَجِبُ إعْلَامُ رَبِّهِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ حَتَّى تَلِفَ ضَمِنَهُ إنْ عَرَفَ رَبَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَلُقَطَةٌ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا لَمْ يَلْزَمْهُ حِفْظُهُ وَلَا إعْلَامُ صَاحِبِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُمْتَنِعًا.
تَتِمَّةٌ: وَإِنْ دَخَلَ طَيْرٌ مَمْلُوكٌ بُرْجَهُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ نَاوِيًا إمْسَاكَهُ لِنَفْسِهِ؛ ضَمِنَهُ؛ لِتَعَدِّيهِ، وَإِنْ لَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهِ أَوْ أَغْلَقَهُ غَيْرَ نَاوٍ إمْسَاكَهُ لِنَفْسِهِ؛ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ نَوَى إمْسَاكَهُ لِرَبِّهِ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ، وَهُوَ فِي الْأَخِيرَةِ مُحْسِنٌ، لَكِنْ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ فَوْرًا إنْ عَلِمَهُ كَمَا سَبَقَ.
[فَصْلٌ فِيمَا يُضْمَنُ بِهِ مِنْ الْمَالِ بِلَا غَصْبٍ]
(فَصْلٌ: فِيمَا يُضْمَنُ) مِنْ الْمَالِ (بِلَا غَصْبٍ: مَنْ أَتْلَفَ) مِنْ مُكَلَّفٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ رَبُّهُ إلَيْهِ - وَلَوْ كَانَ الْإِتْلَافُ (سَهْوًا) أَوْ خَطَأً - (مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ) - أَيْ: الْمُتْلِفِ - (بِلَا إذْنِ رَبِّهِ، وَمِثْلُهُ) - أَيْ: الْمُتْلِفِ - (يَضْمَنُهُ؛ ضَمِنَهُ) ؛ أَيْ: ضَمِنَ الْمُتْلِفُ مَا أَتْلَفَهُ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ غَصَبَهُ فَتَلِفَ عِنْدَهُ، وَاحْتُرِزَ بِالْمَالِ عَنْ السِّرْجِينِ النَّجِسِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِهِمَا، وَبِالْمُحْتَرَمِ عَنْ الصَّلِيبِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ كَالْمِزْمَارِ وَالطُّنْبُورِ وَنَحْوِهِمَا، وَبِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ عَمَّا هُوَ لِنَفْسِهِ، وَبِقَوْلِهِ بِلَا إذْنِ رَبِّهِ عَمَّا أَذِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute