لِئَلَّا يُنْقَضَ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ.
وَالْعَمَلُ بِالثَّانِي لَيْسَ نَقْضًا لِلْأَوَّلِ، بَلْ لَمَّا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِهَا.
وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ، لَمَّا قَضَى فِي الْمُشْرِكَةِ فِي الْعَامِ الثَّانِي بِخِلَافِ مَا قَضَى بِهِ فِي الْأَوَّلِ: ذَلِكَ عَلَى مَا قَضَيْنَاهُ، وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي. (وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ) بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ (فَقَطْ) ، بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ جِهَةُ الْقِبْلَةِ، (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدَامَتُهَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ جِهَةٌ يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا، فَتَعَذَّرَ إتْمَامُهَا. (وَمَنْ أُخْبِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (فِيهَا) ، أَيْ: الصَّلَاةِ (بِخَطَأٍ) لِلْقِبْلَةِ، وَكَانَ الْإِخْبَارُ (يَقِينًا لَا ظَنًّا) ، وَالْمُخْبِرُ ثِقَةً، (لَزِمَ قَبُولُهُ) ، أَيْ: الْخَبَرِ، فَيَعْمَلُ بِهِ، وَيَتْرُكُ الِاجْتِهَادَ، كَمَا لَوْ أُخْبِرَ قَبْلَهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ تَيَقَّنَ خَطَأَ نَفْسِهِ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ يَقِينًا تَرَكَ اجْتِهَادَهُ، (وَيَسْتَأْنِفُ) الصَّلَاةَ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ انْعِقَادِهَا.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
[بَابُ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاة وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]
(بَابُ النِّيَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا) وَهِيَ: الشَّرْطُ التَّاسِعُ، وَبِهَا تَمَّتْ شُرُوطُ الصَّلَاةِ. وَهِيَ لُغَةً: الْقَصْدُ، يُقَالُ: نَوَاك اللَّهُ بِخَيْرٍ، أَيْ: قَصَدَكَ بِهِ. وَ (حَقِيقَتُهَا) شَرْعًا: (الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ) مِنْ عِبَادَةٍ، وَغَيْرِهَا. (وَيُزَادُ فِي حَدِّ) نِيَّةِ (عِبَادَةٍ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى) بِأَنْ يَقْصِدَ بِعَمَلِهِ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ شَيْءٍ آخَرَ، مِنْ تَصَنُّعٍ لِمَخْلُوقٍ، أَوْ اكْتِسَابِ مَحْمَدَةٍ عِنْدَ النَّاسِ، أَوْ مَحَبَّةِ مَدْحٍ مِنْهُمْ، أَوْ نَحْوِهِ.
وَهَذَا هُوَ الْإِخْلَاصُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ تَصْفِيَةُ الْفِعْلِ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْمَخْلُوقِينَ وَقَالَ آخَرُ: هُوَ التَّوَقِّي عَنْ مُلَاحَظَةِ الْأَشْخَاصِ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ. وَقَالَ آخَرُ: هُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفِعْلِ لِدَاعِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute