وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا إلَّا بِمَعْرِفَتِهِ، فَوَجَبَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ لِتُعْرَفَ دَلَالَتُهُ، وَتَوَقَّفَ الِاجْتِهَادُ عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ (فَمَنْ عَرَفَ أَكْثَرَ ذَلِكَ) وَرُزِقَ فَهْمَهُ (فَقَطْ، صَلَحَ لِلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِنْبَاطِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ.
قَالَ فِي " آدَابِ الْمُفْتِي " وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِذَلِكَ لِشُبْهَةٍ أَوْ إشْكَالٍ، لَكِنْ يَكْفِيهِ مَعْرِفَةُ وُجُودِ دَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ وَأَخْذُ الْأَحْكَامِ مِنْ لَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا (زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ " وَيَعْرِفُ الِاسْتِدْلَالَ، وَاسْتِصْحَابَ الْحَالِ، وَالْقُدْرَةَ عَلَى إبْطَالِ شُبْهَةِ الْمُخَالِفِ، وَإِقَامَةَ الدَّلَائِلِ عَلَى مَذْهَبِهِ) لِأَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْعُلُومِ، وَوَضْعِهَا مَوَاضِعَهَا، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: وَمَنْ حَصَّلَ أُصُولَ الْفِقْهِ وَفُرُوعَهُ فَمُجْتَهِدٌ، وَلَا يُقَلِّدُ أَحَدًا.
[فَصْلٌ حَكَّمَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ بَيْنَهُمَا شَخْصًا صَالِحًا لِلْقَضَاءِ]
فَصْلٌ (وَإِنْ حَكَّمَ) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ (اثْنَانِ فَأَكْثَرُ بَيْنَهُمَا شَخْصًا، أَيْ: رَجُلًا صَالِحًا لِلْقَضَاءِ) بِأَنْ اتَّصَفَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ شُرُوطِ الْقَاضِي (نَفَذَ حُكْمُهُ فِي كُلِّ مَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُ مَنْ وَلَّاهُ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ حَتَّى فِي الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ وَالنِّكَاحِ وَاللِّعَانِ) وَغَيْرِهَا حَتَّى مَعَ وُجُودِ قَاضٍ.
(وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ) فِيمَا لَا يُنْقَضُ فِيهِ حُكْمُ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ (كَنَائِبِ إمَامٍ) لِمَا رَوَى أَبُو شُرَيْحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «إنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: إنَّ قَوْمِي إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ، فَرَضِيَ عَلَيَّ الْفَرِيقَانِ قَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا؟ فَمَنْ أَكْبَرُ وَلَدِكَ؟ قَالَ: شُرَيْحٌ قَالَ: فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
وَرُوِيَ مَرْفُوعًا: «مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَرَاضَيَا بِهِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ مَلْعُونٌ» .
وَتَحَاكَمَ عُمَرُ وَأُبَيُّ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ إلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَاضِيًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute