وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ يُؤْمَرُ الرَّجُلُ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، وَلَيْسَ لَهُ شَهْوَةٌ.
قَالَ: إي وَاَللَّهِ يَحْتَسِبُ الْوَلَدَ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْوَلَدَ، قَالَ: هَذِهِ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ لِمَا لَا يُؤْمَرُ وَهَذَا صَحِيحٌ فَإِنَّ أَبَا ذَرٍّ رَوَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مُبَاضَعَةُ أَهْلِكَ صَدَقَةٌ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُصِيبُ شَهْوَتَنَا وَنُؤْجَرُ؟ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ أَفَتَحْسِبُونِ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَا تَحْسِبُونَ بِالْخَيْرِ» .
وَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْوَلَدِ وَإِعْفَافِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ وَغَضِّ بَصَرِهِ.
(وَمَنْ) (غَابَ) عَنْهَا (زَوْجُهَا) غَيْبَةً ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَتَاجِرٍ وَأَسِيرٍ عِنْدَ مَنْ لَيْسَتْ عَادَتُهُ الْقَتْلَ، وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ أَهُوَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ (وَتَضَرَّرَتْ بِتَرْكِ النِّكَاحِ) مَعَ وُجُودِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا (لَمْ تَفْسَخْ) نِكَاحَهَا (لِذَلِكَ) أَيْ لِتَضَرُّرِهَا بِتَرْكِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ.
[تَتِمَّةٌ ظَاهَرَ الزَّوْج وَلَمْ يُكَفِّرْ]
تَتِمَّةٌ: لَوْ ظَاهَرَ، وَلَمْ يُكَفِّرْ فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا لِعُذْرٍ فَلَا فَسْخَ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ إذَنْ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ تَعَذَّرَ الْوَطْءُ لِعَجْزِ الزَّوْجِ؛ فَهُوَ كَالنَّفَقَةِ إذَا تَعَذَّرَتْ فَتَفْسَخُ، وَالْفَسْخُ لِتَعَذُّرِ الْوَطْءِ أَوْلَى مِنْ الْفَسْخِ لِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ يُفْسَخُ بِتَعَذُّرِ الْوَطْءِ إجْمَاعًا فِي الْإِيلَاءِ، وَقَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَلَوْ سَافَرَ الزَّوْجُ عَنْهَا لِعُذْرٍ وَحَاجَةٍ؛ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْقَسْمِ وَالْوَطْءِ، وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ لِلْعُذْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ نِكَاحُ الْمَفْقُودِ إذَا تَرَكَ لِامْرَأَتِهِ نَفَقَتَهَا؛ أَوْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْهُ أَوْ مَنْ يُقْرِضُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسَافِرِ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ وَغَابَ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَطَلَبَتْ قُدُومَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ بَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَحْرُسُ الْمَدِينَةَ فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ تَقُولُ:
تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ ... وَطَالَ عَلَيَّ أَنْ لَا خَلِيلَ أُلَاعِبُهُ
فَوَاَللَّهِ لَوْلَا خَشْيَةُ اللَّهِ وَالْحَيَا ... لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ
فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ فُلَانَةُ زَوْجُهَا غَائِبٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا امْرَأَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute