عَلَى النَّاسِ، وَذَكَرَ لَهُمْ مَنَافِعَهُ، فَلَمَّا انْتَشَرَ، حَرَّمَهُ بَعْضٌ، وَكَرِهَهُ بَعْضٌ، وَأَبَاحَهُ بَعْضٌ، وَسَكَتَ عَنْهُ بَعْضٌ، وَكُلُّ أَهْلِ مَذْهَبٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فِيهِمْ مَنْ حَرَّمَهُ، وَفِيهِمْ مَنْ كَرِهَهُ، وَفِيهِمْ مَنْ أَبَاحَهُ، وَلَكِنَّ غَالِبَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ قَالُوا إنَّهُ مُبَاحٌ أَوْ مَكْرُوهٌ، وَبَعْضُهُمْ مَنْ حَرَّمَهُ، وَغَالِبُ الْمَالِكِيَّةِ حَرَّمَهُ، وَبَعْضٌ مِنْهُمْ كَرِهَهُ، وَكَذَا أَصْحَابُنَا سِيَّمَا النَّجْدِيُّونَ إلَّا أَنِّي لَمْ أَرَ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ صَرَّحَ فِي تَأْلِيفِهِ بِالْحُرْمَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي رِسَالَةٍ أَلَّفَهَا فِيهِ: الْإِبَاحَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ مَنْصُورٍ فِي آدَابِ النِّسَاءِ " الْكَرَاهَةُ ".
وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ مَنْ يُسْكِرُهُ وَمَنْ لَا يُسْكِرُهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ إذْ الْإِنْسَانُ لَوْ تَنَاوَلَ مُبَاحًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَسَكِرَ مِنْهُ، حُرِّمَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّهُ فِي عَقْلِهِ وَدِينِهِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَشُكُّ فِي كَرَاهَتِهِ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ النَّقْصِ فِي الْمَالِ، وَلِكَرَاهَةِ رَائِحَةِ فَمِ شَارِبِهِ كَأَكْلِ الْبَصَلِ النِّيءِ وَالثُّومِ وَالْكُرَّاثِ وَنَحْوِهَا، وَلِإِخْلَالِهِ بِالْمُرُوءَةِ بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ الْفَضَائِلِ وَالْكَمَالَاتِ، وَكَانَ أَحْمَدُ لَا يَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا. وَأَمَّا التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ فَلَمْ أَقْطَعْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِقِصَرِ بَاعِي وَقِلَّةِ اطِّلَاعِي، وَلِعَدَمِ الدَّلِيلِ الصَّرِيحِ.
. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا شَكَكْنَا فِي الْمَطْعُومِ أَوْ الْمَشْرُوبِ هَلْ يُسْكِرُ أَمْ لَا؟ لَمْ يَحْرُمْ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ، وَلَمْ يُقَمْ الْحَدُّ عَلَى صَاحِبِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَأَمَّا اخْتِصَاصُ الْخَمْرِ بِالْحَدِّ؛ فَإِنَّ فِي النُّفُوسِ بَاعِثًا رَادِئًا إلَى الْخَمْرِ، فَنُصِبَ لِذَلِكَ رَادِعٌ شَرْعِيٌّ، وَزَاجِرٌ دُنْيَوِيٌّ أَيْضًا؛ لِيَتَقَابَلَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُهَا، انْتَهَى. هَذَا مَا ظَهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[تَتِمَّةٌ التَّشَبُّهُ بِشُرَّابِ الْخَمْرِ]
تَتِمَّةٌ: يَحْرُمُ التَّشَبُّهُ بِشُرَّابِ الْخَمْرِ، وَيُعَزَّرُ فَاعِلُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوبُ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ، فَلَوْ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ، وَرَتَّبُوا مَجْلِسًا، وَأَحْضَرُوا آلَاتِ الشَّرَابِ وَأَقْدَاحَهُ، وَصَبُّوا فِيهَا السَّكَنْجَبِينَ وَنَحْوَهُ، وَنَصَّبُوا سَاقِيًّا يَدُورُ عَلَيْهِمْ وَيَسْقِيهِمْ، فَيَأْخُذُونَ مِنْ السَّاقِي وَيَشْرَبُونَ، وَيُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِكَلِمَاتِهِمْ الْمُعْتَادَةِ بَيْنَهُمْ؛ حَرُمَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوبُ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ - لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَشْبِيهًا بِأَهْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute