للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَارِيَّةٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ، وَمَعْنَى عَدَمِ الضَّمَانِ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَنَحْوِهِ بَدَلُ ذَلِكَ بِتَلَفِهِ، وَالْمُرَادُ ضَمَانُ الْأُجْرَةِ وَالْمَهْرِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَغَيْرُ مَضْمُونَةٍ فِيهِمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا وَجَبَ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ وَجَبَ فِي فَاسِدِهِ، وَمَا لَا فَلَا.

قَالَ فِي " الْقَوَاعِدِ ": وَلَيْسَ كُلُّ حَالٍ ضَمِنَ فِيهَا فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ؛ ضَمِنَ فِيهَا فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ لَا يَجِبُ فِيهِ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا تُضْمَنُ الْعَيْنُ بِالثَّمَنِ، وَالْمَضْمُونُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَجِبُ ضَمَانُ الْأُجْرَةِ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا يُقَالُ إذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ، وَتَلِفَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ خَرَجَ الرَّهْنُ مُسْتَحَقًّا؛ رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ، إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِالْحَالِ كَمَا سَبَقَ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي صَحِيحِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْقَبْضِ الْبَاطِلِ، لَا الْفَاسِدِ.

[فَصْلٌ فِي الْمُضَارَبَةُ]

(فَصْلٌ) الضَّرْبُ الثَّانِي (الْمُضَارَبَةُ) مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ - أَيْ: السَّفَرِ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ - قَالَ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: ٢٠] أَوْ مِنْ ضَرْبِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِسَهْمٍ فِي الرِّبْحِ، وَهِيَ تَسْمِيَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، (وَتُسَمَّى) الْمُضَارَبَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ (قِرَاضًا) ، فَقِيلَ هُوَ مِنْ الْقَرْضِ بِمَعْنَى الْقَطْعِ، يُقَالُ: قَرَضَ الْفَأْرُ الثَّوْبَ إذَا قَطَعَهُ، فَكَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ اقْتَطَعَ مِنْ مَالِهِ قِطْعَةً، وَسَلَّمَهَا إلَى الْعَامِلِ، وَاقْتَطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنْ رِبْحِهَا، وَقِيلَ: مِنْ الْمُوَاسَاةِ وَالْمُوَازَنَةِ. يُقَالُ: تَقَارَضَ الشَّاعِرَانِ إذَا تَوَازَنَا، وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَرُوِيَتْ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِيهَا لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَيْهَا، فَإِنَّ النُّقُودَ لَا تُنَمَّى إلَّا بِالتِّجَارَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُهَا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ، وَلَا كُلُّ مَنْ يُحْسِنُهَا لَهُ مَالٌ فَشُرِعَتْ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ، (وَ) تُسَمَّى أَيْضًا (مُعَامَلَةً) مِنْ الْعَمَلِ. وَالْمُضَارَبَةُ فِي الشَّرْعِ (هِيَ دَفْعُ) مَالٍ - أَيْ: نَقْدٍ - (مَعْلُومٍ) قَدْرُهُ، فَلَا تَصِحُّ عَلَى صُبْرَةِ نَقْدٍ؛ لِجَهَالَتِهَا، وَلَا عَلَى أَحَدِ كِيسَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>