للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ مَفْضُولٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ) مَعَ وُجُودِ أَفْضَلَ مِنْهُ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» وَفِيهِمْ الْأَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ الْمَفْضُولُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ يُفْتِي مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ بِلَا نَكِيرٍ، خُصُوصًا وَالْعَامِّيُّ يُقَصِّرُ عَنْ التَّرْجِيحِ.

[فَائِدَةٌ التَّقْلِيدُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ]

فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَذَكَرَهُ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ؛ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَمْرِهِ تَعَالَى بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ وَفِي " صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ " لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [آل عمران: ١٩٠] الْآيَةَ.

قَالَ: " وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهُنَّ وَلَمْ يَتَدَبَّرْهُنَّ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ " وَالْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا تَحْصُلُ بِتَقْلِيدٍ، لِجَوَازِ كَذِبِ الْمُخْبِرِ وَاسْتِحَالَةِ حُصُولِهِ، كَمَنْ قَلَّدَ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ وَكَمَنْ قَلَّدَ فِي قِدَمِهِ، وَلِأَنَّ التَّقْلِيدَ لَوْ أَفَادَ عِلْمًا فَإِمَّا بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِمَّا بِالنَّظَرِ فَيَسْتَلْزِمُ الدَّلِيلَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَالْعِلْمُ يَحْصُلُ بِالنَّظَرِ، وَاحْتِمَالِ الْخَطَأِ لِعَدَمِ تَمَامِ مُرَاعَاةِ الْقَانُونِ الصَّحِيحِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ التَّقْلِيدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى " {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: ٢٢] وَهِيَ فِيمَا يُطْلَبُ لِلْعِلْمِ فَلَا يَلْزَمُ الْفُرُوعُ.

(وَيَحْرُمُ تَسَاهُلُ مُفْتٍ) بِالْإِفْتَاءِ، لِئَلَّا يَقُولَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَيَحْرُمُ (تَقْلِيدُ مَعْرُوفٍ بِهِ) أَيْ: بِالتَّسَاهُلِ فِي الْإِفْتَاءِ، (لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِهِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (لَا يَجُوزُ اسْتِفْتَاءٌ إلَّا مَنْ يُفْتِي بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ) لِأَنَّ أَمْرَ الْفُتْيَا خَطَرٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْتَاطَ.

(وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يَجِبُ سُؤَالُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ، فَإِنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ حَرُمَ تَقْلِيدُهُ) لِاحْتِمَالِ فِسْقِهِ (وَيَلْزَمُ الْمُفْتِيَ تَكْرِيرُ النَّظَرِ عِنْدَ تَكْرَارِ الْوَاقِعَةِ) كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ يَجْتَهِدُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، أَمَّا الْعَامِّيُّ إذَا وَقَعَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>