الْهِبَةُ، فَيَحْصُلُ لِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، وَلِعَصَبَتِهَا خُمُسُهُ انْتَهَى.
وَوَجْهُ إفْضَاءِ ذَلِكَ إلَى الدَّوْرِ أَنَّا تَبَيَّنَّا بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ قَبْلَهُ أَنَّ الْهِبَةَ لِغَيْرِ وَارِثٍ؛ فَتَصِحُّ فِي ثُلُثِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقَدْ صَحَّتْ فِي قَدْرٍ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ الْهِبَةِ، وَعَادَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ بِالْمِيرَاثِ، وَيَزِيدُ ثُلُثُهُ بِذَلِكَ، وَإِذَا زَادَ ثُلُثُهُ زَادَ الْقَدْرُ الَّذِي صَحَّتْ الْهِبَةُ فِيهِ فَيَدُورُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ حَتَّى يُعْلَمَ الْمِيرَاثُ، وَلَا يُعْلَمُ الْمِيرَاثُ حَتَّى يُعْلَمَ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ، فَيُعْمَلُ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ، لِأَنَّهَا تُخْرِجُ الْمَجْهُولَاتِ؛ إذْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِذَلِكَ، فَيُقَالُ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ مَجْهُولِ الْقَدْرِ، وَعَادَ إلَيْهِ نِصْفُهُ بِالْإِرْثِ، فَيَبْقَى لِوَرَثَتِهَا نِصْفُ شَيْءٍ، وَلِوَرَثَتِهِ الْمَالُ كُلُّهُ إلَّا نِصْفُ شَيْءٍ، وَذَلِكَ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ؛ لِأَنَّا صَحَّحْنَا الْهِبَةَ فِي شَيْءٍ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ مِثْلَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الْمَالِ، وَبَقِيَ لِوَرَثَتِهِ ثُلُثَاهُ، فَإِذَا كَانَ الثُّلُثُ شَيْئًا يَكُونُ الثُّلُثَانِ شَيْئَيْنِ، فَاجْبُرْ الْمَالَ بِنِصْفِ شَيْءٍ، وَقَابِلْ بِأَنْ تَزِيدَ عَلَى مَا يُعَادِلُهُ نِصْفَ شَيْءٍ مِثْلَ مَا جَبَرَتْ بِهِ، يَصِيرُ الْمَالُ كُلُّهُ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفَ شَيْءٍ، فَيَكُونُ الشَّيْءُ خُمْسَيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِوَرَثَةِ الزَّوْجِ الشَّيْئَيْنِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْمَالِ، وَلِعَصَبَتِهَا نِصْفُ شَيْءٍ وَهُوَ خُمْسُ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ حُكْمُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ]
(فَصْلٌ: وَلَوْ) (أَقَرَّ) مَرِيضٌ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ فِي صِحَّتِهِ حَالَ كَوْنِ إقْرَارِهِ (بِمَرَضِهِ) أَيْ: مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (أَنَّهُ أَعْتَقَ نَحْوَ ابْنِ عَمِّهِ) كَابْنِ ابْنِ عَمِّهِ، أَوْ ابْنِ عَمِّ أَبِيهِ وَنَحْوِهِ (فِي) حَالِ (صِحَّتِهِ) عَتَقَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَوَرِثَهُ
(أَوْ مَلَكَ) الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ (مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) كَأَخِيهِ وَأَبِيهِ، وَكَانَ مِلْكُهُ لِذَلِكَ فِي الْمَرَضِ (بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةِ عَتَقَ) الْمُقَرُّ بِعِتْقِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالْحَادِثِ مِلْكُهُ بِالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ فِي الْمَرَضِ (مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِيهِ، إذْ التَّبَرُّعُ بِالْمَالِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَطِيَّةِ أَوْ الْإِتْلَافِ أَوْ التَّسَبُّبِ إلَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَالْعِتْقُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ؛ فَهُوَ كَالْحُقُوقِ الَّتِي تَلْزَمُ بِالشَّرْعِ، وَقَبُولُ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا لَيْسَ بِعَطِيَّةٍ وَلَا إتْلَافٍ لِمَالِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَحْصِيلٌ لِشَيْءٍ تَلِفَ بِتَحْصِيلِهِ، فَأَشْبَهَ قَبُولَهُ الشَّيْءِ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهُ، وَفَارَقَ الشِّرَاءَ فَإِنَّهُ تَضْيِيعٌ لِمَالِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute