للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَسْحِ كَنِيفٍ) ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِذَلِكَ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَكَرَاهَةِ أَكْلِ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَنَهَى الْحُرَّ عَنْ أَكْلِهِ» . فَهَذَا أَوْلَى، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا حَجَّ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: إنِّي رَجُلٌ أَكْنُسُ، فَمَا تَرَى فِي مَكْسَبِي؟ قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ تَكْنُسُ؟ قَالَ: الْعُذْرَةَ. قَالَ: وَمِنْهُ حَجَجْت، وَمِنْهُ تَزَوَّجْت، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْتَ خَبِيثٌ وَحَجُّك خَبِيثٌ وَمَا تَزَوَّجْت خَبِيثٌ، أَوْ نَحْوُ هَذَا. ذَكَرَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ بِمَعْنَاهُ، وَلِأَنَّ فِيهِ دَنَاءَةً؛ فَكُرِهَ كَالْحِجَامَةِ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي ": (وَكَسْبُ مَاشِطَةٍ) ؛ لِاشْتِمَالِ فِعْلِهَا عَلَى التَّنَمُّصِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، (وَ) كَسْبُ (حَمَّامِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ دَاخِلُوهُ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهَا، وَلَا تَحْرِيمَ فِيهَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ؛ كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ.

[فَصْلٌ وَلِمُسْتَأْجِرٍ اسْتِيفَاءُ نَفْعِ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ بِإِعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ]

(فَصْلٌ وَلِمُسْتَأْجِرٍ اسْتِيفَاءُ نَفْعِ) مَعْقُودٍ عَلَيْهِ (بِمِثْلِهِ) ضَرَرًا كَبُدُونِهٍ (بِإِعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ) ؛ لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ.

(وَلَوْ اشْتَرَطَا) أَيْ: الْمُتَآجِرَانِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مُسْتَأْجِرٌ النَّفْعَ (بِنَفْسِهِ) ؛ لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ؛ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَهُوَ مِلْكُ النَّفْعِ، وَالتَّسَلُّطِ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ نَائِبِهِ، (فَتُعْتَبَرُ مُمَاثَلَةُ رَاكِبٍ) لِمَأْجُورٍ (فِي طُولٍ وَقِصَرٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (وَفِي خِفَّةٍ وَثِقَلٍ) ، فَلَا يَرْكَبُهَا أَطْوَلَ وَلَا أَثْقَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِمَّا عَقَدَ عَلَيْهَا.

(وَيَتَّجِهُ وَيَكْفِي فِي الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ غَلَبَةُ الظَّنِّ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا، وَأَرَادَ أَنْ يُعِيرَهَا، أَوْ يُؤَجِّرَ لِآخَرَ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مُسَاوٍ لَهُ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ؛ كَفَى ذَلِكَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اعْتِبَارِ نَفْسِهِ بِالْوَزْنِ، ثُمَّ يَعْتَبِرُ الْآخَرَ كَذَلِكَ، فَإِنْ سَاوَاهُ عَقَدَ مَعَهُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَعْسُرُ جِدًّا، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ، فَاغْتُفِرَ فِيهِ التَّفَاوُتُ الْيَسِيرُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>