قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": قَوْلُهُ: إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرِيدُ: أَنَّهُ يُعَانُ عَلَى الصِّيَامِ، وَيُغْنِيهِ اللَّهُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَعِمَ وَشَرِبَ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ: أَنَّهُ يُطْعَمُ حَقِيقَةً، وَيُسْقَى حَقِيقَةً، حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ طَعِمَ وَشَرِبَ حَقِيقَةً لَمَا كَانَ مُوَاصِلًا، وَلَا أَقَرَّهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ: إنَّكَ تُوَاصِلُ، لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ: «إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» .
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي النَّهَارِ، وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ فِي النَّهَارِ، لَا لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ.
انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ: مَا يُغَذِّيهِ اللَّهُ بِهِ مِنْ مَعَارِفِهِ، وَمَا يَفِيضُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ لَذَّةِ مُنَاجَاتِهِ، وَقُرَّةِ عَيْنِهِ بِقُرْبِهِ، وَنَعِيمِهِ بِحُبِّهِ، قَالَ: وَمَنْ لَهُ أَدْنَى تَجْرِبَةٍ وَشَوْقٍ، يَعْلَمُ اسْتِغْنَاءَ الْجِسْمِ؛ لِغِذَاءِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ، عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْغِذَاءِ الْحَيَوَانِيِّ، وَلَا سِيَّمَا الْفَرْحَانُ الظَّافِرُ بِمَطْلُوبِهِ الَّذِي قَدْ قَرَّتْ عَيْنُهُ بِمَحْبُوبِهِ انْتَهَى.
وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ وَلَا يَحْرُمُ الْوِصَالُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَقَعَ رِفْقًا وَرَحْمَةً، وَلِهَذَا وَاصَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَاصَلُوا بَعْدَهُ.
(وَتَزُولُ) الْكَرَاهَةُ (بِ) أَكْلِ (لُقْمَةٍ، أَوْ شُرْبٍ) لِانْتِفَاءِ الْوِصَالِ، (وَلَا يُكْرَهُ لِلسَّحَرِ) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ، فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَتَرْكُهُ) ، أَيْ: الْوِصَالِ (أَوْلَى) مُحَافَظَةً عَلَى السُّنَّةِ، (وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ وَاصَلَ) بِالْعَسْكَرِ (ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، فَلَمْ يَرَهُ) ، أَيْ: مَا رَأَى حَنْبَلٍ الْإِمَامَ (أَكَلَ) فِيهَا (وَلَا شَرِبَ فِيهَا) حَتَّى كَلَّمَهُ حَنْبَلٌ فِي ذَلِكَ، فَشَرِبَ سَوِيقًا، (وَلَعَلَّهُ كَانَ يَتَعَاطَى مَا يُفْطِرُهُ، كَ) بَلْعِ (قِشْرِ سِوَاكٍ) ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَعَلَهُ حَيْثُ لَا يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(وَحَرُمَ، وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ عِيدٍ) فَرْضًا وَلَا نَفْلًا؛ لِمَا رَوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute