للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: ٣] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَيْ: قِيَامُهَا، وَالْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ خَالِيَةٍ مِنْهَا، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» زَادَ أَحْمَدُ: " وَمَا تَأَخَّرَ ".

(وَخُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ) إكْرَامًا لِنَبِيِّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَهِيَ بَاقِيَةٌ) لَمْ تُرْفَعْ؛ لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ فِي طَلَبِهَا وَقِيَامِهَا، خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ فِي رَفْعِهَا.

(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ، وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ أَفْضَلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّةِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ، وَالْبُلْقِينِيِّ.

قَالَ فِي " الْهَدْيِ ": إنْ كَانَ الْمُرَادُ: لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ، وَنَظَائِرُهَا مِنْ كُلِّ عَامٍ، أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، بِحَيْثُ يَكُونُ قِيَامُهَا، وَالدُّعَاءُ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَهَذَا بَاطِلٌ، لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالِاضْطِرَارِ، وَإِنْ أَرَادَ اللَّيْلَةَ الْمُعَيَّنَةَ الَّتِي أُسْرِيَ فِيهَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَصَلَ لَهُ فِيهَا مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فِي غَيْرِهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْرَعَ تَخْصِيصُهَا بِقِيَامٍ وَلَا عِبَادَةٍ، فَهَذَا صَحِيحٌ إنْ قَامَ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إنْعَامَ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ كَانَ أَعْظَمَ مِنْ إنْعَامِهِ عَلَيْهِ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَهَذَا لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالْوَحْيِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ بِلَا عِلْمٍ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ خُصَّتْ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ بِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ، وَلِهَذَا لَا يُعْرَفُ أَيَّ لَيْلَةٍ كَانَتْ، وَإِنْ كَانَ الْإِسْرَاءُ فِي نَفْسِهِ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ، كَمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُفَضِّلْ غَارَ حِرَاءَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِيهِ الْوَحْيُ، وَلَا خَصَّ الْيَوْمَ الَّذِي ابْتَدَأَهُ فِيهِ الْوَحْيُ بِشَيْءٍ.

انْتَهَى.

قَالَ فِي حَاشِيَةِ " الْإِقْنَاعِ ": فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَلَامُ أَبِي أُمَامَةَ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ الْمُعَيَّنَةِ مَعَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ كُلِّ عَامٍ، غَيْرَ الَّتِي أُنْزِلَ فِيهَا الْقُرْآنُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>