قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ التَّلْبِيَةِ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ: أَلَبَّ بِالْمَكَانِ، إذَا لَزِمَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك، وَكَرَّرَهُ لِأَنَّهُ أَرَادَ إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ التَّثْنِيَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ التَّكْثِيرُ كَحَنَانَيْكَ، وَالْحَنَانُ الرَّحْمَةُ. وَقِيلَ: مَعْنَى التَّلْبِيَةِ: إجَابَةُ دَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ حِينَ نَادَى بِالْحَجِّ، وَقِيلَ: مُحَمَّدٍ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَاخْتِيرَ كَسْرُ هَمْزَةِ إنَّ) نَصًّا، لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ، قَالَ ثَعْلَبٌ: مَنْ كَسَرَ فَقَدْ عَمَّ، يَعْنِي: حَمِدَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَنْ فَتَحَ فَقَدْ خَصَّ، أَيْ: لَبَّيْكَ، لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك.
(وَلَا بَأْسَ بِزِيَادَةٍ) عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَزِمَ تَلْبِيَةً فَكَرَّرَهَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا، وَلَمْ تُكْرَهْ نَصًّا، (فَقَدْ زَادَ ابْنُ عُمَرَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ) ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَزَادَ عُمَرُ: لَبَّيْكَ وَالنَّعْمَاءُ وَالْفَضْلُ، لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إلَيْك لَبَّيْكَ.
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَرُوِيَ أَنَّ أَنَسًا كَانَ يَزِيدُ: لَبَّيْكَ حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا.
(وَسُنَّ ذِكْرُ نُسُكِهِ فِيهَا) ، أَيْ: التَّلْبِيَةِ، (وَ) سُنَّ (بَدْءُ قَارِنٍ بِذِكْرِ عُمْرَةٍ) كَقَوْلِهِ: (لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ.
(و) سُنَّ (دُعَاءٌ بَعْدَهَا بِمَا أَحَبَّ، وَيَسْأَلُ) اللَّهَ (الْجَنَّةَ، يَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ النَّارِ) ، لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ مَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ، وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ» (وَ) سُنَّ (صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، بَعْدَ التَّلْبِيَةِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ شُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، فَشُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ رَسُولِهِ، كَأَذَانٍ.
(وَ) سُنَّ (إكْثَارُ تَلْبِيَةٍ) ، لِخَبَرِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute