للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَمَكُّنِهِ مِنْهُ مَعَ الْقُرْبِ لِلزِّحَامِ، لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ، أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا أَوْ زَمَانِهَا، (وَالتَّأْخِيرُ) ، أَيْ: تَأْخِيرُ الطَّوَافِ حَتَّى يَزُولَ الزِّحَامُ (لَهُ) ، أَيْ: لِأَجْلِ الرَّمَلِ، (وَلِلدُّنُوِّ) مِنْ الْبَيْتِ، (أَوْلَى) مِنْ تَقْدِيمِهِ مَعَ فَوَاتِ الرَّمَلِ، أَوْ الدُّنُوِّ أَوْ فَوَاتِ أَحَدِهِمَا، لِيَأْتِيَ بِالطَّوَافِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّمَلِ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْبَيْتِ، لِقُوَّةِ الزِّحَامِ، فَالدُّنُوُّ مِنْهُ أَوْلَى، وَيَطُوفُ مَعَ الزِّحَامِ كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ، بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي أَحَدًا، فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً، رَمَلَ فِيهَا مَا دَامَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ؛ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ.

(وَلَا يُسَنُّ رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّوَافِ) ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ إنَّمَا رَمَلُوا وَاضْطَبَعُوا فِيهِ.

(وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا، لَمْ يُجْزِئْهُ) طَوَافُهُ كَذَلِكَ، (إلَّا) إنْ كَانَ رُكُوبُهُ أَوْ حَمْلُهُ (لِعُذْرٍ) ، لِحَدِيثِ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ، فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهَا رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَالصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا طَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِبًا لِعُذْرٍ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ، هَذَا مُحَمَّدٌ، حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنْ الْبُيُوتِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا كَثُرُوا عَلَيْهِ، رَكِبَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(وَلَا يُجْزِئُ) الطَّوَافُ (عَنْ حَامِلِهِ) ، أَيْ: الْمَعْذُورِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا الْفِعْلُ وَهُوَ وَاحِدٌ، فَلَا يَقَعُ عَنْ اثْنَيْنِ، وَوُقُوعُهُ عَنْ الْمَحْمُولِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ إلَّا لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْحَامِلِ، (إلَّا إنْ نَوَى) حَامِلُ الطَّوَافِ (وَحْدَهُ) ، أَيْ: دُونَ الْمَحْمُولِ، (أَوْ نَوَيَا) ، أَيْ: الْحَامِلُ وَالْمَحْمُولُ.

(جَمِيعًا) الطَّوَافَ (عَنْهُ) ، أَيْ: الْحَامِلِ، فَيُجْزِئُ عَنْهُ، لِخُلُوصِ النِّيَّةِ مِنْهُمَا لِلْحَامِلِ، (فَإِنْ نَوَى كُلٌّ مِنْهُمَا) الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ، (صَحَّ لِمَحْمُولٍ فَقَطْ) ، لِأَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ أَدَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>