لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: ١٦] (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى: (لَوْ كَانَتْ الْفِئَةُ بِخُرَاسَانَ، وَالزَّحْفُ بِالْحِجَازِ جَازَ التَّحَيُّزُ إلَيْهَا) ، لِحَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنِّي فِئَةٌ لَكُمْ» وَكَانُوا بِمَكَانٍ بَعِيدٍ، وَقَالَ عُمَرُ: أَنَا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَجُيُوشُهُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ، رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. (وَإِنْ زَادُوا) عَلَى مِثْلَيْهِمْ (فَلَهُمْ الْفِرَارُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " لَمَّا نَزَلَتْ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: ٦٥] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشْرَةٍ، ثُمَّ جَاءَ التَّخْفِيفُ، فَقَالَ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: ٦٦] الْآيَةُ، فَلَمَّا خَفَّفَ عَنْهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ نَقَصَ مِنْ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خَفَّفَ مِنْ الْقَدْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ مَعَ أَدْنَى زِيَادَةٍ، (وَهُوَ) ، أَيْ: الْفِرَارُ، (مَعَ ظَنِّ تَلَفٍ أَوْلَى) مِنْ الثَّبَاتِ.
(وَسُنَّ ثَبَاتٌ مَعَ عَدَمِ ظَنِّ تَلَفٍ) لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يَجِبْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ الْعَطَبَ، (وَ) سُنَّ (الْقِتَالُ مَعَ ظَنِّهِ) ، أَيْ: التَّلَفِ (فِيهِمَا) ، أَيْ: الْفِرَارِ وَالثَّبَاتِ (أَوْلَى مِنْ الْفِرَارِ وَالْأَسْرِ، قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) : مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُسْتَأْسَرُوا وَقَالَ: (يُقَاتِلُ أَحَبُّ إلَيَّ، الْأَسْرُ شَدِيدٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَوْتِ) ، وَقَالَ: يُقَاتِلُ، وَلَوْ أَعْطُوهُ الْأَمَانَ قَدْ لَا يَفُوا، وَإِنْ اسْتَأْسَرُوا جَازَ، قَالَ فِي " الْبُلْغَةِ " وَغَيْرِهَا: وَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ اسْتَأْسَرَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ.
(وَإِنْ وَقَعَ فِي مَرْكَبِهِمْ) ، أَيْ: الْمُسْلِمِينَ، (نَارٌ) فَاشْتَعَلَتْ (فَعَلُوا مَا يَرَوْنَ فِيهِ السَّلَامَةَ) ، لِأَنَّ حِفْظَ الرُّوحِ وَاجِبٌ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ فَهَاهُنَا كَذَلِكَ (مَنْ مُقَامٍ وَوُقُوعٍ بِمَاءٍ) لِيَتَخَلَّصُوا مِنْ النَّارِ (فَإِنْ شَكُّوا) فِيمَا فِيهِ السَّلَامَةُ (أَوْ تَيَقَّنُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute