وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْكَافِرُ الْعَبْدَ الَّذِي مَلَكَهُ الْمُسْلِمُ (لِكَافِرٍ) وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَرَقُّ كَافِرًا نَصًّا، قَالَ: وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْهَى عَنْهُ أُمَرَاءَ الْأَمْصَارِ، وَهَكَذَا حَكَى أَهْلُ الشَّامِ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتًا لِلْإِسْلَامِ الَّذِي يُرْتَجَى مِنْهُ إذَا بَقِيَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، (وَلَا) تَصِحُّ (مُفَادَاتُهُ) ، أَيْ: مَنْ اُسْتُرِقَّ مِنْ الْكُفَّارِ لِكَافِرٍ (بِمَالٍ) ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعِهِ لَهُ، (وَتَجُوزُ) مُفَادَاتُهُ (بِمُسْلِمٍ) ، لِتَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْأَسَر.
(وَلَا يُفَرَّقُ) بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ (بَيْنَ ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) كَأَبٍ وَابْنٍ، وَكَأَخَوَيْنِ وَكَعَمٍّ وَابْنِ أَخِيهِ، وَخَالٍ وَابْنِ أُخْتِهِ، وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغٍ، لِحَدِيثِ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «وَهَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبَعَثَ أَحَدَهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا فَعَلَ غُلَامُك؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: رُدَّهُ رُدَّهُ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ؛ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، فَقِسْ عَلَيْهِ التَّفْرِيقَ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ جَوَازُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ ابْنَيْ عَمٍّ أَوْ ابْنَيْ خَالٍ، وَبَيْنَ أُمٍّ مِنْ رَضَاعٍ وَوَلَدِهَا مِنْهُ، وَأُخْتٍ مِنْ رَضَاعٍ وَأَخِيهَا، لِعَدَمِ النَّصِّ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ وَلِأَنَّ قَرَابَةَ الرَّضَاعِ لَا تُوجِبُ عِتْقَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَا نَفَقَةً وَلَا مِيرَاثًا، فَأَشْبَهَتْ الصَّدَاقَةَ (إلَّا بِعِتْقٍ) ، فَيَجُوزُ عِتْقُ وَالِدَةٍ دُونَ وَلَدِهَا، وَعَكْسُهُ وَنَحْوُهُ، (أَوْ افْتِدَاءُ أَسِيرٍ مُسْلِمٍ) بِكَافِرٍ مِنْ ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ إذَنْ، لِتَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْأَسْرِ، (أَوْ بَيْعٍ) وَنَحْوِهِ (فِيمَا إذَا مَلَكَ نَحْوَ أُخْتَيْنِ) كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute