وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهُمْ أَوْ مُعَاوِنُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، كَمَنْ يَدْعُو إلَيْهِمْ مِنْ رَاهِبٍ وَغَيْرِهِ، تَلْزَمُهُ إجْمَاعًا، وَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ بِلَا نِزَاعٍ وَقَوْلُهُ: دَائِمًا، يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ يَتَرَدَّدُ إلَى النَّاسِ وَيُخَالِطُهُمْ كَأَحَدِهِمْ، وَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَكْتَسِبُ، أَنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي رُهْبَانٍ بِالْقُدْسِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى خُنْثَى) مُشْكِلٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْهَا، (فَإِنْ بَانَ) الْخُنْثَى (رَجُلًا أُخِذَ لِلْمُسْتَقْبَلِ) مِنْ اتِّضَاحِ ذُكُورِيَّتِهِ (فَقَطْ) دُونَ الْمَاضِي، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ إذْ ذَاكَ (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ) ، أَيْ: مُكْتَسِبٍ، (يَعْجِزُ عَنْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] وَلِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ جَعَلَ أَدْنَاهَا عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَمِلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَمَرَّ) فِي أَوَائِلِ الْأَرْضِينَ الْمَغْنُومَةِ أَنَّهُ (يَرْجِعُ فِي) قَدْرِ (جِزْيَةٍ) وَخَرَاجٍ، (لِتَقْدِيرِ إمَامٍ لَا لِمَا قَدَّرَهُ عُمَرُ) فَلْيُرَاجَعْ هُنَاكَ، (وَوَضَعَ) الْإِمَامُ عُمَرُ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْمُوسِرِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَ) عَلَى (الْمُتَوَسِّطِ نِصْفًا) أَرْبَعَةٌ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، (وَ) عَلَى (الْأَدْنَى اثْنَيْ عَشْرَ) دِرْهَمًا، وَضَعَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، فَيَرْجِعُ إلَيْهِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَيُجَابُ عَنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ: خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» بِأَنَّ الْفَقْرَ كَانَ فِي أَهْلِ الْيَمَنِ أَغْلَبُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمُجَاهِدٍ: مَا بَالُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ ، قَالَ: جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْيَسَارِ، وَبِأَنَّ الْجِزْيَةَ يَرْجِعُ فِيهَا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ التَّقْدِيرُ وَاجِبًا، لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صَغَارًا وَعُقُوبَةً، فَاخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِهِمْ، (وَيَجُوزُ) أَنْ يُؤْخَذَ فِي الْجِزْيَةِ (عَنْ الِاثْنَيْ عَشْرَ) دِرْهَمًا (دِينَارٌ) ، لِأَنَّهُ يَعْدِلُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute