الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يُحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ قَبْلَهُ، وَكَذَا الصُّلْحُ بِمَعْنَى الْهِبَةِ؛ فَيُحِلُّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ قَبْلَهَا، وَالْإِبْرَاءُ يُحِلُّ لَهُ تَرْكَ أَدَاءِ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَأَيْضًا لَوْ حَلَّ بِهِ الْمُحَرَّمَ لَكَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا، فَإِنَّ الصُّلْحَ الْفَاسِدَ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى تَحْرِيمِهِ؛ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى اسْتِرْقَاقِ حُرٍّ أَوْ إحْلَالِ بُضْعٍ مُحَرَّمٍ، أَوْ صَالَحَهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ صُلْحٌ يَصِحُّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ؛ فَصَحَّ مَعَ الْخَصْمِ؛ كَالصُّلْحِ مَعَ الْإِقْرَارِ.
(وَيَكُونُ) الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارِ (إبْرَاءٍ فِي حَقِّهِ) ؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لِدَفْعِهِ الْمَالَ افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ، فِي مُقَابَلَةِ حَقٍّ ثَبَتَ عَلَيْهِ، فَلَا شُفْعَةَ فِي عَقَارِهِ) ؛ أَيْ: الْمُصَالَحِ عَنْهُ إنْ كَانَ شِقْصًا مِنْ عَقَارٍ، (وَلَا يَسْتَحِقُّ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (لِعَيْبٍ) وَجَدَهُ فِي مُصَالَحٍ عَنْهُ (شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَتِهِ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الصُّلْحِ فَلَا مُعَاوَضَةَ، (وَ) يَكُونُ الصُّلْحُ (بَيْعًا فِي حَقِّ مُدَّعٍ، فَلَهُ رَدُّ مَا أَخَذَهُ بِعَيْبٍ) يَجِدُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَمَّا ادَّعَاهُ، (وَفَسْخُ الصُّلْحِ) إنْ وَقَعَ عَلَى عَيْنِهِ، وَإِلَّا رَدَّهُ، وَطَالَبَهُ بِبَدَلِهِ، وَلَهُ الْأَرْشُ مَعَ الْإِمْسَاكِ.
(وَثَبَتَ فِي) شِقْصٍ (مَشْفُوعٍ) صُولِحَ بِهِ (الشُّفْعَةُ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَمَّا ادَّعَاهُ؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِهِ (إلَّا إذَا صَالَحَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِيَ (بِبَعْضِ عَيْنٍ مُدَّعٍ بِهَا) ؛ كَمَنْ ادَّعَى نِصْفَ دَارٍ بِيَدِ آخَرَ، فَأَنْكَرَهُ، وَصَالَحَهُ عَلَى رُبْعِهَا، فَالْمُدَّعِي فِي الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ كَالْمُنْكِرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، (فَلَا) يُؤْخَذُ مِنْهُ بِشُفْعَةٍ، وَلَا يَسْتَحِقُّ لِعَيْبٍ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَخَذَ بَعْضَ عَيْنِ مَالِهِ مُسْتَرْجِعًا لَهُ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ.
(وَمَنْ عَلِمَ بِكَذِبِ نَفْسِهِ) مِنْ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ؛ (فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِ) ، أَمَّا الْمُدَّعِي فَلِأَنَّ الصُّلْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَاهُ الْبَاطِلَةِ، وَأَمَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَحْدِهِ حَقَّ الْمُدَّعِي لِيَأْكُلَ مَا يَنْتَقِصُهُ بِالْبَاطِلِ، (وَمَا أَخَذَهُ) مُدَّعٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute