للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي دَفْعِهِ مُضَارَبَةً؛ صَحَّ، وَالْمَقُولُ لَهُ وَكِيلٌ لِرَبِّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ، (وَمَلَكَ) الْعَامِلُ إذَا قِيلَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ بِمَا أَرَاك اللَّهُ (الزِّرَاعَةَ) .

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ: اتَّجَرَ فِيهَا بِمَا شِئْت، فَزَرَعَ زَرْعًا، فَرَبِحَ فِيهِ؛ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ اتَّجِرْ بِمَا شِئْتَ دَخَلَتْ فِيهِ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يُبْتَغَى بِهَا النَّمَاءُ، فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ فِي الْمُزَارَعَةِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ، و (لَا) يَمْلِكُ مَنْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ بِمَا أَرَاك اللَّهُ (التَّبَرُّعَ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (وَنَحْوِهِ) - أَيْ التَّبَرُّعِ - (كَقَرْضٍ) مِنْ الْمَالِ (وَعِتْقِ) رَقِيقٍ مِنْ مَالِهِ (بِمَالٍ) أَوْ غَيْرِهِ (وَكِتَابَةِ) رَقِيقٍ (وَتَزْوِيجِ) رَقِيقٍ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى التِّجَارَةِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ تِجَارَةً، سِيَّمَا تَزْوِيجُ الْعَبْدِ، فَإِنَّهُ مَحْضُ ضَرَرٍ، (إلَّا بِإِذْنٍ صَرِيحٍ) فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ التِّجَارَةُ.

(وَ) لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ دَفْعُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إلَى آخَرَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَحَرْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ، (فَإِنْ دَفَعَهُ لِآخَرَ مُضَارَبَةً بِلَا إذْنِ) رَبِّ الْمَالِ؛ حَرُمَ عَلَيْهِ وَزَالَ اسْتِئْمَانُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا يُوجِبُ فِي الْمَالِ حَقًّا لِغَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ إيجَابُ حَقٍّ فِي مَالِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَ وَجَبَ رَدُّهُ لِمَالِكِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ رِبْحٌ، وَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَإِنْ رَبِحَ فِي الْمَالِ (فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِمَالِكِ) الْمَالِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَالٌ وَلَا عَمَلٌ (وَسَوَاءٌ اشْتَرَى) الْمُضَارِبُ الثَّانِي (بِعَيْنِ الْمَالِ) الْمَدْفُوعِ لَهُ، (أَوْ) اشْتَرَى (فِي الذِّمَّةِ) .

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَطِيبُ الرِّبْحُ لِلْمُضَارِبِ، وَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ الْأَوَّلَ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ وَلَا مَالٌ. وَلَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ فِي الْمُضَارَبَةِ إلَّا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْعَامِلُ الثَّانِي عَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا شَرْطِهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ مَا شَرَطَهُ لَهُ غَيْرُهُ؛ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ الْغَاصِبُ مُضَارَبَةً، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا شَرَطَهُ لَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ؛ فَمَا شَرَطَهُ لَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْلَى. (وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي عَلَى) الْمُضَارِبِ (الْأَوَّلِ أَجْرُ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَاسْتَعْمَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>