للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشْتَرِكَ الْقَوْمُ بِأَبْدَانِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ مَالٌ؛ مِثْلُ الصَّيَّادِينَ وَالْبَقَّالِينَ وَالْحَمَّالِينَ.

«وَقَدْ أَشْرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ، وَلَمْ يَجِيئَا بِشَيْءٍ» وَفَسَّرَ أَحْمَدُ صِفَةَ الشَّرِكَةِ فِي الْغَنِيمَةِ فَقَالَ: يَشْتَرِكَانِ فِيمَا يُصِيبَانِ مِنْ سَلَبِ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ الْغَانِمِينَ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْمَغَانِمُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْغَانِمِينَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَيْف يَصِحُّ اخْتِصَاصُ عَمَّارٍ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ بِالشَّرِكَةِ فِيهَا، فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَغَنَائِمُهَا كَانَتْ لِمَنْ أَخَذَهَا قَبْلَ أَنْ يُشْرِكَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمْ، وَلِهَذَا نُقِلَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحَاتِ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ أَحَدُ جِهَتَيْ الْمُضَارَبَةِ، فَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ كَالْمَالِ.

(وَيَتَّجِهُ) أَنَّ (لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (فَسْخُهَا) ؛ أَيْ: شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ، مَتَى شَاءَ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَظْهَرْ فَضْلُهُ) - أَيْ كَسْبُهُ - زِيَادَةً (عَلَى صَاحِبِهِ) . فَإِنْ ظَهَرَ فَضْلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ فَلَا فَسْخَ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا؛ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ بِمَنْ لَمْ يَفْسَخْ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

(وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِكَا (فِيمَا يَتَقَبَّلَانِ فِي ذِمَمِهِمَا مِنْ عَمَلٍ كَنَسْجٍ) وَحِدَادَةٍ (وَقِصَارَةٍ وَخِيَاطَةٍ) وَنَحْوِهَا. (وَصَحَّ) قَوْلُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ: (أَنَا أَتَقَبَّلُ وَأَنْتَ تَعْمَلُ) ، وَالْأُجْرَةُ بَيْنَنَا، لِأَنَّ تَقَبُّلَ الْعَمَلِ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ. وَيَسْتَحِقُّ بِهِ الرِّبْحَ كَعَمَلِ الْمُضَارِبِ، فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُضَارِبِ. (وَيُطَالَبَانِ بِمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا) مِنْ عَمَلٍ، وَيَصِيرُ فِي ضَمَانِهِمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>