(وَيَصِحُّ) الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ (جَعَالَةً) ؛ لِأَنَّهُ يُفْتَقَرُ فِيهَا مَا لَا يُفْتَقَرُ فِي الْإِجَارَةِ.
قَالَ الشَّارِحُ: فَإِذَا أَتَمَّ الْعَمَلَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَمَلُ فِي بَقِيَّتِهَا، لِأَنَّهُ وَفَّى مَا عَلَيْهِ قَبْلَ مُدَّتِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ أَجَلِهِ، وَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْعَمَلِ؛ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ لَمْ يَفِ لَهُ بِشَرْطِهِ، فَإِنْ رَضِيَ بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ لَمْ يَمْلِكْ الْأَجِيرُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِالشَّرْطِ مِنْهُ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى الْفَسْخِ، فَإِنْ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ طَالَبَهُ بِالْعَمَلِ لَا غَيْرُ؛ كَالْمُسَلِّمِ إذَا صَبَرَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ إلَى حِينِ وُجُودِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَإِنْ فُسِخَ الْعَقْدُ قَبْلَ الْعَمَلِ؛ سَقَطَ الْأَجْرُ وَالْعَمَلُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ عَمَلِ بَعْضِهِ؛ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْفَسَخَ، فَسَقَطَ الْمُسَمَّى، وَرَجَعَ إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ انْتَهَى.
(وَيَلْزَمُهُ) - أَيْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ - (الشُّرُوعُ) فِي عَمَلِ مَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ (عَقِبَ الْعَقْدِ) ؛ لِجَوَازِ مُطَالَبَتِهِ بِهِ إذَنْ، (فَإِنْ أَخَّرَ) الْعَمَلَ (بِلَا عُذْرٍ) ، فَتَلِفَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ؛ (ضَمِنَ) ؛ لِتَلَفِهِ بِسَبَبِ تَرْكِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ.
(وَ) وَشُرِطَ (كَوْنُ عَمَلٍ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ بِمُسْلِمٍ) ؛ كَخِيَاطَةٍ وَنِسَاجَةٍ وَنَحْوِهِمَا، أَمَّا إنْ كَانَ فَاعِلُهُ يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ (كَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَإِمَامَةٍ وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَفِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَنِيَابَةٍ فِي حَجٍّ وَقَضَاءٍ) بَيْنَ النَّاسِ؛ فَتَحْرُمُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ. وَلَا تَصِحُّ، (وَلَا يَقَعُ إلَّا قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.
قَالَ ابْنُ مُنَجَّى وَغَيْرُهُ: هَذَا أَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ الْعَاصِ «إنَّ آخِرَ مَا عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: «عَلَّمْت نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ، فَأَهْدَى إلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا، قَالَ: قُلْت: قَوْسٌ، وَلَيْسَ بِمَالٍ. قَالَ: قُلْت: أَتَقَلَّدُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، قَالَ: إنْ سَرَّك أَنْ يُقَلِّدَك اللَّهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا» . وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute