لَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ - (بِلَا شَرْطٍ) . قَالَ فِي الشَّرْحِ: فَإِنْ أُعْطِيَ الْمُعَلِّمُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ؛ جَازَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ سَافِرِيٍّ: لَا يَطْلُبُ وَلَا يُشَارِطُ، فَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا أَخَذَهُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ: أَكْرَهُ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ إذَا شَرَطَ، وَقَالَ: إذَا كَانَ الْمُعَلِّمُ لَا يُشَارِطُ، وَلَا يَطْلُبُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا، إنْ أَتَاهُ شَيْءٌ قَبِلَهُ، كَأَنَّهُ يَرَاهُ أَهْوَنَ، وَكَرِهَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْقَوْسِ وَالْخَمِيصَةِ الَّتِي أُعْطِيهِمَا أُبَيٍّ وَعُبَادَةٌ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِشَرْطٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَتَاك مِنْ هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافِ نَفْسٍ؛ فَخُذْهُ وَتَمَوَّلْهُ، فَإِنَّهُ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْك» . وَقَدْ «أَرْخَصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُبَيٍّ فِي أَكْلِ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ يُعَلِّمُهُ إذَا كَانَ طَعَامَهُ وَطَعَامَ أَهْلِهِ» ، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَانَ هِبَةً مُجَرَّدَةً؛ فَجَازَ كَمَا لَوْ لَمْ يُعَلِّمْهُ شَيْئًا، فَأَمَّا حَدِيثُ الْقَوْسِ وَالْخَمِيصَةِ؛ فَقَضِيَّتَانِ فِي عَيْنٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ خَالِصًا، فَكَرِهَ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ. انْتَهَى.
(وَ) يَجُوزُ (أَخْذُ رِزْقٍ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (عَلَى مُتَعَدٍّ نَفْعُهُ؛ كَقَضَاءٍ) وَفُتْيَا، وَأَذَانٍ (وَإِمَامَةٍ) ، وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ، (وَتَدْرِيسِ) عِلْمٍ نَافِعٍ مِنْ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَنَحْوِهِمَا، وَنِيَابَةٍ فِي حَجٍّ، وَتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ وَأَدَائِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ؛ كَمَا يَجُوزُ أَخْذُ (الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِهَذِهِ الْمَصَالِحِ) الْمُتَعَدِّي نَفْعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ، بَلْ الْقَصْدُ بِهِ الْإِعَانَةُ عَلَى الطَّاعَةِ.
(قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (مَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ فَلَيْسَ عِوَضًا وَأُجْرَةً، بَلْ رِزْقٌ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ) ، وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً، وَلَا يَقْدَحُ فِي الْإِخْلَاصِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَحَ مَا اُسْتُحِقَّتْ الْغَنَائِمُ وَسَلَبُ الْقَاتِلِ، بِخِلَافِ الْأَجْرِ؛ فَيُمْتَنَعُ أَخْذُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ) - أَيْ: مِمَّنْ يَقُومُ بِالْمَصَالِحِ - (لِلَّهِ أُثِيبَ) عَلَى عَمَلِهِ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute