فَيُنْظَرُ كَمْ تُسَاوِي أُجْرَتُهَا مَعَ الْحِنْطَةِ، فَيُقَالُ مَثَلًا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمَعَ الشَّعِيرِ عَشْرَةٌ، فَيَأْخُذُ رَبُّهَا الْخَمْسَةَ، لِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَ الشَّعِيرَ؛ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ بِعَيْنِهِ كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَلِهَذَا قُلْنَا: لَهُ زَرْعُ مِثْلِهِ وَمَا دُونَهُ فِي الضَّرَرِ، فَإِذَا زَرَعَ حِنْطَةً فَقَدْ اسْتَوْفِي حَقَّهُ وَزِيَادَةً؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ اكْتَرَى الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعٍ؛ فَجَاوَزَهُ (وَلَا لَهُ غَرْسٌ أَوْ بِنَاءٌ) فِي الْأَرْضِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا لِلزَّرْعِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ الزَّرْعِ، (فَإِنْ فَعَلَ) مُسْتَأْجِرٌ مَا لَا يَمْلِكُهُ؛ إنْ أَكْتَرَى لِزَرْعِ بُرٍّ، فَزَرَعَ دُخْنًا وَنَحْوَهُ، فَقِيلَ هُوَ (غَاصِبٌ) .
قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَحُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ الَّذِي يَزْرَعُ أَضَرُّ مِمَّا اكْتَرَى لَهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ. لِرَبِّ الْأَرْضِ مَنْعُهُ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ، فَإِنْ زَرَعَ [فَرَبُّ] الْأَرْضِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَرْكِ الزَّرْعِ بِالْأُجْرَةِ وَبَيْنَ أَخْذِهِ وَدَفْعِ النَّفَقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَخَذَ الْمُسْتَأْجِرُ زَرْعَهُ؛ فَلَهُ الْأَجْرُ لَا غَيْرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْغَصْبِ، وَحِينَئِذٍ (يَجُوزُ) لِلْمُؤَجِّرِ (تَمَلُّكُ زَرْعِهِ) عَلَى مَا (قَالَهُ) الْمُوَفَّقُ (فِي الْمُغْنِي) وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ خِلَافُهُ.
(وَ) إنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا (لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ لَا يَمْلِكُ الْآخَرَ) ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُخَالِفُ ضَرَرَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَضُرُّ بِظَاهِرِ الْأَرْضِ، وَالْغَرْسَ يَضُرُّ بِبَاطِنِهَا. وَإِنْ اكْتَرَاهَا (لِغَرْسٍ) لَهُ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَقَلُّ مِنْ ضَرَرِ الْغَرْسِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضُرُّ بِبَاطِنِ الْأَرْضِ، (لَا) إنْ اكْتَرَاهَا (لِبِنَاءٍ) فَإِنْ اكْتَرَاهَا لَهُ؛ فَلَيْسَ (لَهُ الزَّرْعُ) ، وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ ضَرَرًا، خِلَافًا " لِلْإِقْنَاعِ "؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ.
(وَدَارٌ) اُسْتُؤْجِرَتْ (لِسُكْنَى) لِمُسْتَأْجِرِهَا أَنْ يَسْكُنَ، وَيَسْكُنَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الضَّرَرِ أَوْ دُونَهُ، وَيَضَعَ فِيهَا مَا جَرَتْ عَادَةُ السَّاكِنِ بِهِ مِنْ الرَّحْلِ وَالطَّعَامِ، وَيُخَزِّنَ فِيهَا الثِّيَابَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَضُرُّهَا، (وَلَا يَعْمَلُ فِيهَا حِدَادَةً) ؛ أَيْ: (وَ) وَلَا (قِصَارَةً) ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا، (وَلَا يُسْكِنُهَا دَابَّةً) إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إسْطَبْلٌ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ تُفْسِدُهَا بِرَوْثِهَا وَبَوْلِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ لِرَبْطِ الدَّوَابِّ؛ فَلَا مَانِعَ مِنْ إسْكَانِهَا الدَّوَابَّ عَمَلًا بِالْعُرْفِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute