وَالسَّرِقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنَايَتِهِ، وَرَبُّ الْمَالِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ تَلَفَهُ بِجِنَايَتِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ حَضَرَ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ غَابَ، بَلْ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَقْصُودٌ لِفَاعِلِهِ، وَالسَّقْطَةُ مِنْ الْحَمَّالِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لَهُ، فَإِذَا أَوْجَبَ الضَّمَانُ هَا هُنَا فَثَمَّ أَوْلَى، قَالَ فِي الشَّرْحِ: (وَ) يَضْمَنُ أَيْضًا مَا نَقَصَ (بِخَطَئِهِ فِي فِعْلِهِ) ؛ كَصَبَّاغٍ أُمِرَ بِصَبْغِ ثَوْبٍ أَصْفَرَ، فَصَبَغَهُ أَسْوَدَ وَنَحْوِهِ؛ لِمَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالصَّوَّاغَ، وَقَالَ لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ. وَلِأَنَّ عَمَلَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ كَالْعُدْوَانِ بِقَطْعِ عُضْوٍ، وَدَلِيلُ ضَمَانِ عَمَلِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ، وَأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي حِرْزِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ لَا أَجْرَ لَهُ، بِخِلَافِ الْخَاصِّ، فَإِنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ؛ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، (وَلَوْ بِدَفْعِهِ) - أَيْ: الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ - (لِغَيْرِ رَبِّهِ) غَلَطًا، فَيَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى مَالِكِهِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي قَصَّارٍ دَفَعَ الثَّوْبَ إلَى غَيْرِ مَالِكِهِ: يَغْرَمُ الْقَصَّارُ، وَلَيْسَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لُبْسُهُ إذَا عَلِمَ، وَعَلَيْهِ رَدُّهُ لِلْقَصَّارِ نَصًّا، (وَغَرِمَ قَابِضُ) الثَّوْبِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ غَلَطًا - (قَطَعَهُ أَوْ لَبِسَهُ جَهْلًا) أَنَّهُ ثَوْبُ غَيْرِهِ - (أَرْشَ قَطْعِهِ، وَأُجْرَةَ لُبْسِهِ) ؛ لِتَعَدِّيهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، (وَرَجَعَ) قَابِضٌ (بِهِمَا) - أَيْ بِأَرْشِ قَطْعِهِ، وَأُجْرَةِ لُبْسِهِ - (عَلَى دَافِعٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ " وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْقَصَّارِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَزَادَ فِي الرِّعَايَةِ " مَسْأَلَةَ الرُّجُوعِ بِأُجْرَةِ اللُّبْسِ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِثَوْبِهِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا، وَإِنْ هَلَكَ ضَمِنَ الْأَجِيرُ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ بَعْدَ طَلَبِهِ، فَضَمِنَهُ؛ كَمَا لَوْ عَلِمَ. .
(وَإِنْ عَلِمَ) قَابِضٌ أَنْ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ لَيْسَ بِثَوْبِهِ، فَقَطَعَهُ، أَوْ لَبِسَهُ؛ (فَلَا) رُجُوعَ لَهُ عَلَى دَافِعٍ بِمَا غَرِمَهُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَ (لَا) : يَضْمَنُ أَجِيرٌ (مَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مَقْبُوضَةٌ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute