فِيهَا بَيْنَ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، (لَا كَعَارِيَّةٍ) ؛ إذْ الْمُعِيرُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ قَهْرًا بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعِهِ جَبْرًا، وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ، (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ قَالَ (فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ) : وَالْمُسْتَأْجِرُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَمُسْتَعِيرٍ انْتَهَى.
فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تَجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حَيْثُ جَعَلَهَا كَالْعَارِيَّةِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ سِوَى صَاحِبِ " الْمُحَرَّرِ "، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ " الْمُنْتَهَى ": بِأَنَّ تَشْبِيهَهُ لِمُسْتَأْجِرٍ بِعَقْدِ فَاسِدٍ بِالْمُسْتَعِيرِ إنَّمَا هُوَ فِي عَدَمِ الْقَلْعِ مَجَّانًا، لَا فِي لُزُومِ الْأُجْرَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ إذَنْ.
(وَ) لَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى مُشْتَرٍ؛ فَحُكْمُهُ (حُكْمُ الْعَارِيَّةِ فِيمَا بِيعَ مِنْهُ) ؛ أَيْ: اشْتَرَاهُ اشْتِرَاءً (صَحِيحًا، ثُمَّ فُسِخَ) عَقْدُ (بَيْعٍ بِنَحْوِ عَيْبٍ) ؛ كَغَبْنٍ (وَتَقَايُلٍ) ، أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ: " لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى مُشْتَرٍ، ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ بِعَيْبٍ كَانَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الْأَخْذُ بِالْقِيمَةِ، أَوْ الْقَلْعُ وَضَمَانُ النَّقْصِ، وَتَرْكُهُ بِالْأُجْرَةِ انْتَهَى.
فَجَعَلَ فِي " الْإِقْنَاعِ " حُكْمَ مَا بِيعَ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ فُسِخَ، حُكْمَ الْإِجَارَةِ، فَلِذَلِكَ خَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ، وَجَعَلَهُ كَالْعَارِيَّةِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ.
مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " وَالرِّعَايَةِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَغَيْرُهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعُهُ وَضَمَانُ نَقْصِهِ انْتَهَى.
وَأَمَّا الْمَبِيعُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ إذَا غَرَسَ فِيهِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بَنَى؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَعِيرُ إذَا غَرَسَ أَوْ بَنَى عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ " وَابْنُ عَقِيلٍ فِي " الْفُصُولِ " وَصَاحِبُ " الْمُغْنِي " فِي الشُّرُوطِ فِي الرَّهْنِ؛ لِتَضَمُّنِهِ إذْنًا، وَيَأْتِي فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ مُفَصَّلًا.
(وَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ) الَّذِي بَنَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ (نَحْوَ مَسْجِدٍ) كَمَدْرَسَةٍ وَسِقَايَةٍ وَقَنْطَرَةٍ؛ (لَزِمَ بَقَاؤُهُ) - أَيْ: الْبِنَاءِ - فَلَا يُهْدَمُ، وَلَا يُتَمَلَّكُ، بَلْ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ (بِأُجْرَتِهِ إلَى زَوَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ؛ إذْ وَضْعُ هَذِهِ لِلدَّوَامِ، وَلَا يُعَادُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute