فِيهِ فَأَحْرَقَهَا.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الشِّطْرَنْجِ، فَقَالَ: هُوَ شَرٌّ مِنْ النَّرْدِ، فَإِنَّ مَا فِي النَّرْدِ مِنْ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ، وَعَنْ إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ فِي الشِّطْرَنْجِ أَكْثَرُ بِلَا رَيْبٍ، وَهِيَ تَفْعَلُ بِالنُّفُوسِ فِعْلَ حِمْيَا الْكُؤُوسِ؛ فَتَصُدُّ عُقُولَهُمْ وَقُلُوبَهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بِهِمْ كَثِيرٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَمْرِ وَالْحَشِيشَةِ، وَقَلِيلُهَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا، فَإِنَّ اللَّاعِبَ بِهَا يَسْتَغْرِقُ قَلْبَهُ وَعَقْلَهُ وَفِكْرَهُ فِيمَا يَعْمَلُهُ خَصْمُهُ، وَمَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ هُوَ، وَفِي لَوَازِمِ ذَلِكَ وَلَوَازِمِ لَوَازِمِهِ حَتَّى لَا يَحُسُّ بِجُوعِهِ وَلَا عَطَشِهِ، وَلَا بِمَنْ يَحْضُرُ عِنْدَهُ، وَلَا بِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَلَا بِحَالِ أَهْلِهِ، وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى وَالصَّلَاةَ، وَهَذَا كَمَا يَحْصُلُ لِشَارِبِ الْخَمْرِ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الشَّرَابِ يَكُونُ عَقْلُهُ أَصْحَى مِنْ عَقْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ، وَاللَّاعِبُ بِهَا لَا تَنْقَضِي نَهْمَتُهُ مِنْهَا إلَّا بِدَسْتٍ بَعْد دَسْتُ كَمَا لَا تَنْقَضِي نَهْمَةُ شَارِبِ الْخَمْرِ إلَّا بِقَدَحٍ بَعْدَ قَدَحٍ، وَتَبْقَى آثَارُهَا فِي النَّفْسِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا أَكْثَرُ مِنْ آثَارِ شَارِبِ الْخَمْرِ، حَتَّى تَعْرِضَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمَرَضِ وَعِنْدَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ، بَلْ عِنْدَ الْمَوْتِ.
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا ذِكْرُهُ لِرَبِّهِ وَتَوَجُّهُهُ إلَيْهِ، يَعْرِضُ لَهُ تَمَاثِيلُهَا وَذِكْرُ الشَّاةِ وَالرُّخِّ وَالْفِرْزَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَصَدُّهَا الْقُلُوبَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ قَدْ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ صَدِّ الْخَمْرِ، وَإِفْسَادُهَا لِلْقُلُوبِ أَعْظَمُ مِنْ إفْسَادِ النَّرْدِ، وَلَكِنَّ النَّرْدَ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعَرَبِ، وَالشِّطْرَنْجُ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بَعْدَ أَنْ فَتَحُوا الْبِلَادَ، فَإِنَّ أَصْلَهُ مِنْ الْهِنْدِ، وَانْتَقَلَ مِنْهُمْ إلَى الْفُرْسِ، وَلِهَذَا جَاءَ ذِكْرُ النَّرْدِ، وَإِلَّا فَالشِّطْرَنْجُ شَرٌّ مِنْ النَّرْدِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْعِوَضِ أَوْ عَدَمِهِ، وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ لِمَنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى دِرَايَةٍ.
(وَلَا تَجُوزُ مُسَابَقَةٌ بِعِوَضٍ) - أَيْ: مَالٍ لِمَنْ سَبَقَ - (مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُبَاحَةً أَوْ لَا (إلَّا) فِي مُسَابَقَةِ (خَيْلٍ وَإِبِلٍ وَسِهَامٍ) - أَيْ: نُشَّابٍ وَنَبْلٍ لِلرِّجَالِ - هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا سَبْقَ إلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ.»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute