(وَمِنْ هُنَا) - أَيْ: مِنْ قَوْلِهِ: وَفِي تَمَلُّكٍ بِلَا عِوَضٍ إلَى آخِرِهِ - (عُلِمَ أَنَّ الْوَكِيلَ) عَلَى الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ (وَالْمُرْتَهِنَ) لَهَا (وَالْأَمِينَ فِي الرَّهْنِ) ، وَهُوَ مَنْ جُعِلَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (لِرَبِّ الْعَيْنِ) الْمَغْصُوبَةِ (الْمُسْتَحِقِّ لِلضَّمَانِ) - أَيْ: لِلتَّضْمِينِ - (مُطَالَبَتُهُمْ بِهَا) - أَيْ: الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ - لِأَنَّهُمْ كَالْغَاصِبِ، (وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطُوا) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ - وَلَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِالْغَصْبِ - لَكِنْ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُمْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمَا اقْتَضَى ضَمَانَ عَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْغَاصِبِ. فَعَقْدُ الْبَيْعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ فَاتَ مَجَّانًا، بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي تَبَعًا لِلْعَيْنِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْعَيْنِ؛ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إنَّمَا أَعْطَى الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ خَاصَّةً، فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِالْأُجْرَةِ وَالْعَيْنُ مَعَهُ أَمَانَةٌ لَمْ يَلْتَزِمْ ضَمَانَهَا؛ الْوَدِيعَةُ وَالْهِبَةُ تَقْتَضِي عَدَمَ ضَمَانِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَالْعَارِيَّةُ تَقْتَضِي ضَمَانَ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ، وَهَكَذَا تَقُولُ فِي كُلِّ عَقْدٍ بِحَسَبِهِ.
الْخَامِسَةُ: يَدُ الْمُسْتَعِيرِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي عَارِيَّةٍ) مَعَ جَهْلِ مُسْتَعِيرٍ بِالْغَصْبِ إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ عِنْدَهُ؛ (يَرْجِعُ مُسْتَعِيرٌ) ضَمَّنَهُ مَالِكُ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ (بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهَا، وَإِنَّمَا ضَمِنَهَا بِتَغْرِيرِ الْغَاصِبِ، وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْعَيْنِ إنْ لَمْ تَتْلَفْ بِالِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي حَالٍ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِيهَا مَضْمُونَةً عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ بِأَنْ كَانَ مُنْقَطِعًا رَكِبَ دَابَّةً يَدُ صَاحِبِهَا عَلَيْهَا عَارِيَّةً، وَفِيهَا إذَا كَانَ مُسْتَعِيرُهَا مِنْ مُسْتَأْجِرٍ، وَكَذَا مِنْ مُوصٍ لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا، وَظَهَرَ أَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ؛ فَلِمُسْتَعِيرٍ ضَمَّنَهُ مَالِكُ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ.
وَيَرْجِعُ (غَاصِبٌ) غَرِمَ لِمَالِكٍ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى مُسْتَعِيرٍ جَهِلَ الْغَاصِبَ (بِقِيمَةِ عَيْنٍ) تَلِفَتْ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ فَقَطْ لِمَا؛ تَقَدَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute