الصُّوَرِ كُلِّهَا؛ لَمْ يَبْرَأْ غَاصِبٌ. أَمَّا كَوْنُهُ لَا يَبْرَأ بِالطَّعَامِ وَالْإِبَاحَةِ؛ فَلِأَنَّهُ بِغَصْبِهِ مَنَعَ يَدَ مَالِكِهِ وَسُلْطَانِهِ عَنْهُ، وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِذَلِكَ سُلْطَانُهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْغَاصِبُ، وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ؛ فَلِأَنَّهُ تُحْمَلُ مِنَّتُهُ، وَرُبَّمَا كَافَأَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ وَمَا بَعْدَهَا؛ فَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ؛ فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِذَلِكَ سُلْطَانُهُ، وَهُوَ تَمْكِينُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِكُلِّ مَا أَرَادَ. وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ عَالِمًا أَنَّهُ مَلَكَهُ وَأَكَلَهُ بِإِطْعَامِ الْغَاصِبِ لَهُ، أَوْ أَكَلَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَكَلَهُ عَبْدُهُ أَوْ دَابَّتُهُ بِيَدِهِ - وَلَوْ بِلَا إذْنِهِ - بَرِئَ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ أَتْلَفَ مَالَهُ عَالِمًا مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ؛ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ إذَا أَكَلَ مَا عَلِمَ بِقَبْضِهِ؛ بَرِئَ الْغَاصِبُ، وَلَزِمَ الْأَجْنَبِيَّ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي بَحْثِ الْيَدِ الْأُولَى مِنْ الْأَيْدِي الْعَشَرَةِ، وَيَرْجِعُ مُتَمَلِّكٌ غُصِبَ بِعِوَضٍ كَقَرْضٍ وَشِرَاءٍ إلَى آخِرِهِ عَلَى غَاصِبٍ، وَغَاصِبٌ عَلَى مُتَمَلِّكٍ بِقِيمَةِ غَصْبٍ وَأَرْشِ بَكَارَةٍ؛ أَيْ: لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَخَلَ مَعَ الْغَاصِبِ عَلَى ضَمَانِ ذَلِكَ (بَرَاءَةُ غَاصِبٍ بِدَفْعِهِ) الْمَغْصُوبَ (لِمَالِكِهِ) بِعَقْدِ (قَرْضٍ أَوْ) عَقْدِ (شِرَاءٍ أَوْ تَلَفٍ) عِنْدَ مَالِكِهِ، (وَلَمْ يَعْلَمْ) بِهِ الْمَالِكُ.
جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْكَافِي " وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ تَسَلَّمَهُ تَسَلُّمًا تَامًّا، فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالُوا: لَا شَيْءَ لِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ بَاعَهُ مِنْهُ بَرِيءَ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute