غَالِبًا) بِأَنْ] جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِيجَارِهِ (مِنْ مَغْصُوبٍ وَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) كَرَقِيقٍ وَدَوَابَّ وَسُفُنٍ وَعَقَارٍ؛ (فَعَلَى غَاصِبٍ وَقَابِضٍ) بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ بِيَدِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، فَتُضْمَنُ مَنَافِعُهُ بِالْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ؛ أَيْ: سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ أَوْ تَرَكَهَا تَذْهَبُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ؛ جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمُجَرَّدِ التَّلَفِ؛ كَالْأَعْيَانِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالْعَيْنِ، وَمَنْ لَمْ يُوجِبْ الْأَجْرَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ احْتَجَّ بِحَدِيثِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» .
وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ، وَالْجَوَابُ بِأَنَّ كُلَّ مَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمُجَرَّدِ الْإِتْلَافِ؛ كَالْأَعْيَانِ، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مُتَقَوِّمًا؛ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالْأَعْيَانِ، أَوْ يُقَالُ: مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مَغْصُوبٌ؛ فَوَجَبَ كَالْعَيْنِ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَوَارِدٌ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَغْصُوبِ إجْمَاعًا، وَلَا يُشْبِهُ الزِّنَا؛ فَإِنَّهَا رَضِيَتْ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ - وَلَا عَقْدٍ يَقْتَضِي الْعِوَضَ - فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعَارَهُ دَارِهِ، وَلَوْ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ؛ لَزِمَهُ مَهْرُهَا. .
وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً وَلَمْ يَطَأْهَا وَمَضَى عَلَيْهَا زَمَنٌ يُمْكِنُ الْوَطْءُ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ مَهْرَهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَا تُتْلَفُ بِلَا اسْتِيفَاءٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَلِأَنَّهَا لَا تُقَدَّرُ بِزَمَنٍ، فَيُتْلِفُهَا مُضِيُّ الزَّمَانِ، بِخِلَافِ الْمَنْفَعَةِ.
(وَمَعَ عَجْزِ) غَاصِبٍ (عَنْ رَدِّ) مَغْصُوبٍ تَصِحُّ إجَارَتُهُ؛ كَعَبْدٍ أَبَقَ، وَجَمَلٍ شَرَدَ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ (إلَى) وَقْتِ (أَدَاءِ قِيمَتِهِ) فَقَطْ، فَإِنْ قَدَرَ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْهُ؛ لَزِمَهُ رَدُّهُ لِلْمَالِكِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى غَاصِبٍ وَقَابِضٍ مِنْ حِينِ دَفْعِ بَدَلِهِ إلَى رَبِّهِ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ بِأَخْذِ قِيمَتِهِ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ بِبَدَلِهِ الَّذِي هُوَ قِيمَتُهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَبِبَدَلِهِ.
وَمَنَافِعُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ؛ كَمَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute