سَوَاءٌ حَفَرَ أَوْ بَنَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَسَوَاءٌ حَفَرَ نَحْوَ الْبِئْرِ فِي حَدِّهِ وَنِصْفُهَا فِي فِنَائِهِ؛ (ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا) - أَيْ: الْبِئْرِ، وَكَذَا الدَّكَّةُ؛ لِأَنَّهُ تَلَفٌ حَصَلَ بِسَبَبِ تَعَدِّيهِ بِبِنَائِهِ أَوْ حَفْرِهِ فِي مَكَان مُشْتَرَكٍ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهِمْ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَصَبَ فِي فِنَائِهِ سِكِّينًا فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ؛ كَحَفْرِ (أَجِيرِهِ الْحُرِّ) بِئْرًا فِي فِنَائِهِ، فَيَضْمَنُ الْأَجِيرُ الْحَافِرُ مَا تَلِفَ بِهَا، سَوَاءٌ حَفَرَهَا بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَدِّي، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ عَلِمَ) الْأَجِيرُ (الْحَالَ) ؛ أَيْ: أَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَ الْآذِنِ؛ (إذْ الْأَفْنِيَةُ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ) ، وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي: لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ بِفِنَائِهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْفِنَاءَ لَيْسَ بِمِلْكٍ، (بَلْ مَرَافِقُ) ؛ وَإِنْ جَهِلَ الْحَافِرُ أَنَّهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ؛ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ لِتَقْرِيرِهِ الْحَافِرَ، وَكَذَا لَوْ جَهِلَ الْبَاقِيَ، فَلَوْ ادَّعَى الْآمِرُ عِلْمَ الْحَافِرِ وَالْبَانِي، وَأَنْكَرَاهُ (فَقَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
وَإِنْ حَفَرَ الْعَبْدُ أَوْ بَنَى بِالْفِنَاءِ أَوْ الطَّرِيقِ) الْوَاسِعِ أَوْ الضَّيِّقِ (بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) ؛ فَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ (فِي رَقَبَتِهِ) ؛ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَمْ يَأْذَنْ فِيهَا سَيِّدُهُ، وَإِنْ عَتَقَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ الْحَفْرِ أَوْ الْبِنَاءِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، ثُمَّ تَلِفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ شَيْءٌ (فَمَا تَلِفَ بَعْدَ عِتْقِهِ) ؛ فَعَلَى الْعَبْدِ ضَمَانُهُ (فِي ذِمَّتِهِ) دُونَ سَيِّدِهِ؛ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْجِنَايَةِ.
يَضْمَنُ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا (فِي مَوَاتٍ لِتَمَلُّكٍ أَوْ ارْتِفَاقٍ) لِنَفْسِهِ، (وَيَتَّجِهُ أَوْ) حَفَرَ بِئْرًا (يَمْلِكُهُ) ؛ إذْ لِلْإِنْسَانِ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ كَيْف شَاءَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. أَوْ حَفَرَهَا (فِي سَابِلَةٍ وَاسِعَةٍ) - أَيْ: طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ (لِنَفْعٍ عَامٍّ) .
نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، كَمَا لَوْ حَفَرَهَا لِيَجْتَمِعَ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ، أَوْ لِيَنْبُعَ مِنْهَا الْمَاءُ لِيَشْرَبَ الْمَارَّةُ؛ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ - (وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهَا حَاجِزًا) - لَكِنْ يَنْبَغِي لِمَنْ حَفَرَ بِئْرًا كَذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهَا حَاجِزًا لِتُعْلَمَ بِهِ، فَتُتَوَقَّى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute