فِعْلَ الْبَهِيمَةِ مَنْسُوبٌ إلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ حِفْظُهَا، وَ (لَا) يَضْمَنُ (مَا نَفَحَتْ بِهَا) - أَيْ: بِرِجْلِهَا - مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ مَرْفُوعًا: «الرِّجْلُ جُبَارٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «رِجْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» .
فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي جِنَايَةِ غَيْرِهَا، وَخُصِّصَ بِالنَّفْحِ دُونَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الدَّابَّةُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجَنِّبَهَا وَطْءَ مَا لَا يُرِيدُ أَنْ تَطَأَهُ بِتَصَرُّفِهِ فِيهَا، بِخِلَافِ نَفْحِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ، وَحَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ وَكَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ فَهِيَ عَلَيْهَا؛ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ.
(وَيَتَّجِهُ) أَوْ؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ الْمُتَصَرِّفُ بِدَابَّةٍ مَا نَفَحَتْهُ (بِرَأْسِهَا) ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ الْجَمُوحَ مِنْ شَأْنِهَا عَدَمُ الِانْقِيَادِ خُصُوصًا إذَا اسْتَجْبَنَتْ الْمُتَصَرِّفَ، فَإِنَّهَا تَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْغُلَامِ فِي فَرْخِ طَيْرِ الْحَمَامِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ.
هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، لَكِنَّ الْقَوَاعِدَ تَأْبَاهُ إذَا عَدِمَ ضَمَانَ نَفْحِ الرِّجْلِ؛ لِأَنَّ لَا يُمْكِنُهُ الْمَنْعُ مِنْهُ، وَأَمَّا الرَّأْسُ فَلَا يَعْجِزُ الْقَادِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ عَنْ ضَبْطِهِ، فَجِنَايَتُهَا بِهِ دَلِيلٌ عَلَى تَفْرِيطِهِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْبَهِيمَةُ النَّزِقَةُ الَّتِي لَا تَنْضَبِطُ بِكَبْحٍ وَلَا نَحْوِهِ؛ لَيْسَ لَهُ رُكُوبُهَا بِالْأَسْوَاقِ، فَإِنْ رَكِبَ ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ، وَكَذَا الرَّمُوحُ وَالْعَضُوضُ انْتَهَى.
وَمَحَلُّ عَدَمِ ضَمَانِ مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا، (مَا لَمْ يَكْبَحْهَا) ؛ أَيْ: يَجْذِبْهَا بِلِجَامٍ (فَوْقَ الْعَادَةِ، أَوْ) مَا لَمْ (يَضْرِبْ وَجْهَهَا) ؛ فَيَضْمَنُ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي جِنَايَتِهَا، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ.
(وَلَا) يَضْمَنُ مَنْ بِيَدِهِ دَابَّةٌ (جِنَايَةَ ذَنَبِهَا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهَا (وَيَتَّجِهُ أَوْ) ؛ أَيْ وَلَا يَضْمَنُ مُتَصَرِّفٌ بِدَابَّةٍ (سُقُوطَ حَمْلِهَا) إذَا لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute