للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَائِرَةً، وَاصْطَدَمَتَا فَغَرِقَتَا؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى قَيِّمِ الْوَاقِفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ وَلَمْ يُفَرِّطْ، أَشْبَهَ النَّائِمُ فِي الصَّحْرَاءِ إذَا عَثَرَ بِهِ آخَرُ، فَتَلِفَ، وَ (ضَمِنَهَا) - أَيْ: الْوَاقِفَةَ وَمَا فِيهَا - (قَيِّمُ السَّائِرَةِ إنْ فَرَّطَ) ؛ بِأَنْ أَمْكَنَ رَدُّهَا عَنْهَا، وَلَمْ يَفْعَلْ، أَوْ لَمْ يُكْمِلْ آلَتَهَا مِنْ رِجَالٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِقُصُورِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَامَ وَتَرَكَهَا سَائِرَةً بِنَفْسِهَا حَتَّى صَدَمَتْهَا، فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَلَا ضَمَانَ (كَمُصْعِدَةٍ) فِي أَنَّهَا تَكُونُ مَضْمُونَةً؛ كَمَا يَضْمَنُ الْوَاقِفَةَ قَيِّمُ السَّائِرَاتِ (يَضْمَنُهَا) - أَيْ: الْمُصْعِدَةَ - (الْمُنْحَدِرَةَ) ؛ لِأَنَّ الْمُنْحَدِرَةَ تَنْحَطُّ عَلَى الْمُصْعِدَةِ مِنْ عُلُوٍّ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِغَرَقِهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى قَيِّمِ الْمُصْعِدَةِ تَنْزِيلًا لِلْمُنْحَدِرَةِ مَنْزِلَةَ السَّائِرَةِ وَالْمُصْعِدَةِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِفَةِ (إلَّا أَنْ يَغْلِبَ) فِي الْمُنْحَدِرَةِ (عَنْ ضَبْطِهَا بِنَحْوِ رِيحٍ) كَكَوْنِ الْمَاءِ شَدِيدَ الْجَرْيَةِ، فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي وُسْعِهِ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَلِأَنَّ التَّلَفَ يُمْكِنُ اسْتِنَادُهُ إلَى الرِّيحِ أَوْ شِدَّةِ جَرَيَانِ الْمَاءِ.

قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": إنْ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ بِأَنْ أَمْكَنَهُ الْعُدُولَ بِسَفِينَتِهِ - وَالْمُنْحَدِرُ غَيْرُ قَادِرٍ وَلَا مُفَرِّطٍ - فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُصْعِدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُصْعِدَ يُؤَاخَذُ بِتَفْرِيطِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّفْرِيطِ، (فَيُقْبَلُ قَوْلُ مَلَّاحٍ) - وَهُوَ الْقَيِّمُ - (فِيهِ) ؛ أَيْ: فِي أَنَّهُ غَلَبَهُ رِيحٌ وَنَحْوُهُ، (وَأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ.

(وَمَنْ خَرَقَهَا) - أَيْ: السَّفِينَةَ - (عَمْدًا) ؛ بِأَنْ تَعَمَّدَ قَلْعَ لَوْحٍ وَنَحْوِهِ فِي اللُّجَّةِ، فَغَرِقَتْ بِمَنْ فِيهَا مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ عَمِلَ بِهِ، أَوْ خَرَقَهَا (شِبْهَهُ) - أَيْ: شِبْهَ الْعَمْدِ - بِأَنْ قَلَعَهُ بِلَا دَاعٍ إلَى قَلْعِهِ فِي قَرِيبٍ مِنْ السَّاحِلِ لَا يَغْرَقُ مَنْ فِيهَا غَالِبًا، فَغَرِقُوا، (عَمِلَ بِذَلِكَ، وَيَقْتُلُ) فِي صُورَةِ الْعَمْدِ (بِكَوْنِهِمْ فِي اللُّجَّةِ أَوْ) الْحَالُ أَنَّهُمْ (لَا يُحْسِنُونَ السِّبَاحَةَ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي اللُّجَّةِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا ضَمَانُ السَّفِينَةِ لِرَبِّهَا، فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا إنْ تَلِفَتْ وَأَرْشَ نَقْصِهَا إنْ لَمْ تَتْلَفْ بِمَا فِيهَا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ، وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>