ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إلَى جَارِك، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ، وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْجُدُرِ» ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: فَوَاَللَّهِ إنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: ٦٥] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الشِّرَاجُ جَمْعُ شَرَجٍ - نَهْرٌ صَغِيرٌ -، وَالْحَرَّةُ أَرْضٌ مُلْتَبِسَةٌ بِحِجَارَةٍ سُودٍ، وَالْجُدُرُ الْجِدَارُ، وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزُّبَيْرَ أَنْ يَسْقِيَ ثُمَّ يُرْسِلَ الْمَاءَ تَسْهِيلًا عَلَى غَيْرِهِ، فَلَمَّا قَالَ الْأَنْصَارِيُّ مَا قَالَ اسْتَوْعَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ.
(فَإِنْ كَانَ لِأَرْضِ أَحَدِهِمْ أَعْلَى وَأَسْفَلُ) ؛ بِأَنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً مِنْهَا مُسْتَعْلِيَةٌ وَمِنْهَا مُسْتَفِلَةٌ (سُقِيَ كُلًّا) مِنْ ذَلِكَ (عَلَى حِدَتِهِ) - أَيْ: عَلَى انْفِرَادِهِ - (وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فَأَكْثَرُ فِي قُرْبٍ) مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ؛ (قُسِّمَ الْمَاءُ) بَيْنَهُمْ (عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ) - أَيْ: أَرْضِ كُلٍّ مِنْهُمْ - فَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ جَرِيبٌ وَلِآخَرَ جَرِيبَانِ وَلِآخَرَ ثَلَاثَةٌ؛ كَانَ لِرَبِّ الْجَرِيبِ السُّدُسُ، وَلِرَبِّ الْجَرِيبَيْنِ الثُّلُثُ، وَلِرَبِّ الثَّلَاثَةِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ فِي الْأَرْضِ مَنْ أَرْضُهُ أَكْثَرُ مُسَاوٍ فِي الْقُرْبِ، فَاسْتَحَقَّ جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ كَمَا لَوْ كَانُوا سِتَّةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَرِيبٌ.
وَمَحِلُّ ذَلِكَ " إنْ أَمْكَنَ " قَسَّمَهُ بَيْنَهُمْ، (وَإِلَّا) يُمْكِنْ قَسْمُهُ؛ (أَقْرَعَ) " بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ قُدِّمَ بِالسَّقْيِ، فَيَسْقِي مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ، فَمَنْ قَرَعَ سَقَى بِقَدْرِ حَقِّهِ، ثُمَّ تَرَكَهُ لِلْآخَرِ، وَلَيْسَ لِمَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ أَنْ يَسْقِيَ بِجَمِيعِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ لَهُ يُسَاوِيهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَاءِ (فَإِنْ لَمْ يُفَضِّلْ عَنْ وَاحِدٍ سَقَى الْقَارِعُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، لَا كُلِّ الْمَاءِ) ؛ أَيْ: لَيْسَ لِلْقَارِعِ السَّقْيُ بِكُلِّ الْمَاءِ؛ (لِمُسَاوَاةِ الْآخَرِ لَهُ) فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقَدُّمِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، (بِخِلَافِ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ؛ فَلَا حَقَّ لِلْأَسْفَلِ إلَّا فِي الْفَاضِلِ) عَنْ الْأَعْلَى كَمَا تَقَدَّمَ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute