(وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِمَّا مَعَهُ) إنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَاجِبَةٌ فِي مَالِهِ، وَمَا وَجَدَ مَعَهُ فَهُوَ مَالُهُ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ يَمْلِكُ، وَلَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرِثُ وَيُورَثُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ وَلِيُّهُ وَيَبِيعَ مِنْ مَالِهِ.
(وَإِلَّا) يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ؛ (فَ) يُنْفِقُ عَلَيْهِ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ سِنِينَ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ: وَجَدْتُ مَلْقُوطًا، فَأَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ، فَقَالَ عَرِيفُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقَالَ عُمَرُ: أَكَذَلِكَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: فَاذْهَبْ هُوَ حُرٌّ، وَلَكَ وَلَاؤُهُ، وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ أَوْ رَضَاعُهُ.
(فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِكَوْنِهِ لَا مَالَ فِيهِ، أَوْ لِكَوْنِ الْبَلَدِ لَيْسَ فِيهَا بَيْتُ مَالٍ وَنَحْوِهِ؛ (اقْتَرَضَ عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى بَيْتِ الْمَالِ - (حَاكِمٌ) ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ مُتَبَرِّعٍ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِدُونِ مِنَّةٍ تَلْحَقُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَشْبَهَ الْأَخْذَ لَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى ".
(فَلَوْ) اقْتَرَضَ الْحَاكِمُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، ثُمَّ (بَانَ) اللَّقِيطُ رَقِيقًا، أَوْ بَانَ (لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) ؛ كَأَبٍ مُوسِرٍ أَوْ وَارِثٍ مُوسِرٍ؛ (رَجَعَ) الْحَاكِمُ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى سَيِّدِ الرَّقِيقِ، وَأَبِي الْحُرِّ الْمُوسِرِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَحَدٌ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ؛ وَفِي الْحَاكِمِ مَا اقْتَرَضَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ حِينَئِذٍ وَاجِبَةٌ فِيهِ.
وَإِنْ كَانَ لِلَّقِيطِ مَالٌ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ لِمَانِعٍ، أَوْ يُنْتَظَرُ حُصُولُهُ مِنْ وَقْفٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلِمَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَنِيٌّ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ.
هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْحَارِثِيِّ، وَقَالَ: وَإِذَا أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ نَفَقَةَ الْمِثْلِ، بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، لِيَرْجِعَ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ انْتَهَى.
وَإِذَا أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ فَقَالَ أَحْمَدُ: يُؤَدِّي النَّفَقَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَى الْحَاكِمِ الِاقْتِرَاضُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ مِنْهُ لِنَحْوِ مَنْعٍ مَعَ وُجُودِ الْمَالِ فِيهِ؛ (فَعَلَى مَنْ عَلِمَ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مَجَّانًا؛ لِلْأَمْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute