وَلَا تُرَجَّحُ الْمَرْأَةُ فِي الِالْتِقَاطِ، كَمَا تُرَجَّحُ فِي حَضَانَةِ وَلَدِهَا عَلَى أَبِيهِ. لِأَنَّهَا إنَّمَا رَجَحَتْ هُنَاكَ لِشَفَقَتِهَا عَلَى وَلَدِهَا، وَتَوَلِّيهَا لِحَضَانَتِهِ بِنَفْسِهَا، وَالْأَبُ يَحْضُنُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، فَكَانَتْ أُمُّهُ أَحَظَّ لَهُ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ اللَّقِيطِ، وَالرَّجُلُ يَحْضُنُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ؛ فَاسْتَوَيَا.
وَ (لَا) يُقَدَّمُ (ظَاهِرُ عَدَالَةٍ، أَوْ كَرِيمٌ، أَوْ بَلَدِيٌّ عَلَى ضِدِّهِ) ؛ أَيْ: ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ وَمَسْتُورُهَا سَوَاءٌ، وَالْكَرِيمُ وَالْبَخِيلُ سَوَاءٌ، وَالْبَلَدِيُّ وَالْقَرَوِيُّ سَوَاءٌ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْأَهْلِيَّةِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا) - أَيْ: الْمُتَنَازِعَانِ - (فِي الْمُلْتَقِطِ مِنْهُمَا) ؛ بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الَّذِي الْتَقَطَ وَحْدَهُ؛ فَاللَّقِيطُ (لِمَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ) بِهِ بِلَا نِزَاعٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِ؛ إعْمَالًا لِبَيِّنَتِهِ.
فَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ؛ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا أَخَذَ مِمَّنْ ثَبَتَ الْحَقُّ لَهُ.
قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالْكَافِي " " وَالشَّرْحِ " " وَالْهِدَايَةِ " " وَالْمُذَهَّبِ " " وَالْمُسْتَوْعِبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّقِيطَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ، فَهُوَ كَالْمَالِ؛ فَيَجْرِي مَا فِي بَيِّنَةِ الْمَالِ مِنْ رِوَايَةِ اعْتِبَارِ سَبْقِ التَّارِيخِ، وَرِوَايَةِ تَسَاوِي الْبَيِّنَتَيْنِ، فَإِنْ اتَّحَدَتَا تَارِيخًا، أَوْ أُطْلِقَتَا، أَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا وَأُطْلِقَتْ الْأُخْرَى؛ تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا؛ فَكَدَعْوَى الْمَالِ؛ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ خَارِجٍ، (عَدِمَاهَا) - أَيْ: الْبَيِّنَةَ - وَهُوَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا؛ فَاللَّقِيطُ (لِذِي الْيَدِ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ تُفِيدُ الْمِلْكَ، فَأَوْلَى أَنْ تُفِيدَ الِاخْتِصَاصَ (بِيَمِينِهِ) ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْآخَرِ.
(فَإِنْ كَانَ) اللَّقِيطُ (بِيَدَيْهِمَا) ، وَلَا بَيِّنَةَ؛ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا؛ لِتَسَاوِيهِمَا فِي السَّبَبِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى اشْتِرَاكِهِمَا فِي كَفَالَةِ اللَّقِيطِ، كَمَا تَقَدَّمَ [ (فَمَنْ قَرَعَ) - أَيْ: خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ - (سُلِّمَ) اللَّقِيطُ (إلَيْهِ بِيَمِينِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ] .
(وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا) - أَيْ: لِمَنْ عَدِمَتْ بَيِّنَتَاهُمَا أَوْ تَعَارَضَتَا، - (يَدٌ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute