للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ الرَّشِيدُ، (مَالَهُ الْمُنْتَفَعَ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، بِقَطْعِ تَصَرُّفِهِ) - أَيْ: الْمَالِكِ - وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَحْبِيسٍ، عَلَى أَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ؛ أَيْ: إمْسَاكُ الْمَالِ عَنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكَاتِ بِقَطْعِ تَصَرُّفِ مَالِكِهِ (وَغَيْرِهِ فِي رَقَبَتِهِ) بِشَيْءٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، (يُصْرَفُ رِيعُهُ) ؛ أَيْ: غَلَّةُ الْمَالِ وَثَمَرَتُهُ وَنَحْوُهَا، بِسَبَبِ تَحْبِيسِهِ، (إلَى جِهَةِ بِرٍّ) يُعَيِّنُهَا وَاقِفٌ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ؛ أَيْ: إطْلَاقُ فَوَائِدِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ، مِنْ غَلَّةٍ وَثَمَرَةٍ وَغَيْرِهَا؛ لِلْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ، (تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى) ؛ بِأَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْقُرْبَةَ.

وَهَذَا الْحَدُّ لِصَاحِبِ " الْمُطْلِعِ " وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَالْمُنْتَهَى " وَالْإِقْنَاعِ " وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ وَاسْتَظْهَرَ شَارِحُ الْمُنْتَهَى " أَنَّ قَوْلَهُ: تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ فِي حَدِّ الْوَقْفِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ، لَا غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقِفُ مِلْكَهُ عَلَى غَيْرِهِ تَوَدُّدًا لَا لِأَجْلِ الْقُرْبَةِ، وَيَكُونُ وَقْفًا لَازِمًا.

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقِفُ عَقَارَهُ عَلَى وَلَدِهِ، خَشْيَةً عَلَى بَيْعِهِ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِتْلَافِ ثَمَنِهِ وَاحْتِيَاجِهِ إلَى غَيْرِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْطِرَ الْقُرْبَةَ بِبَالِهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَدِينُ حَتَّى يَسْتَغْرِقَ الدَّيْنُ مَالَهُ، وَهُوَ مِمَّا يَصِحُّ وَقْفُهُ، فَيَخْشَى أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ، وَيُبَاعُ مَالُهُ فِي الدَّيْنِ، فَيَقِفُهُ؛ لِيُفَوِّتَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ، وَيَكُونَ وَقْفًا لَازِمًا؛ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، لَكِنَّهُ آثِمٌ بِذَلِكَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ عَلَى مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ غَالِبًا إلَّا قُرْبَةً؛ كَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ، قَاصِدًا بِذَلِكَ الرِّيَاءَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ، وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَغِ بِهِ وَجْهَ اللَّه - تَعَالَى.

وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ مِنْ نَحْوِ مُكَاتَبٍ، وَلَا سَفِيهٍ، وَلَا وَقْفُ نَحْوِ الْكَلْبِ وَالْخَمْرِ، وَلَا نَحْوِ الْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ، إلَّا الْمَاءَ، وَيَأْتِي.

(فَهُوَ) - أَيْ: الْوَقْفُ - (سُنَّةٌ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: ٧٧] ، وَلِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ.

(وَأَرْكَانُهُ) - أَيْ: الْوَقْفِ - (أَرْبَعَةٌ، وَاقِفٌ، وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، وَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>