للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(كَغَيْرِهِ) فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالِانْتِفَاعِ بِمَا وَقَفَهُ؛ لِقَوْلِ عُثْمَانَ: «هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَلَيْسَ بِهَا مَا يُسْتَعْذَبُ غَيْرُ بِئْرِ رُومَةَ، فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ؟ فَيَجْعَلُ فِيهَا دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ، بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ، فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي، فَجَعَلْتُ فِيهَا دَلْوِي مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ» (وَالصُّوفِيَّةُ: هُمْ الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَاتِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الدُّنْيَا) ، الْمُتَبَتِّلُونَ لِلْعِبَادَةِ وَتَصْفِيَةِ النَّفْسِ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ.

(فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ) - أَيْ: الصُّوفِيَّةِ - (جَمَّاعًا لِلْمَالِ، وَلَمْ يَتَخَلَّقْ بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ، وَلَا تَأَدَّبَ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ) غَالِبًا، لَا آدَابَ وَضْعِيَّةٍ؛ إذْ لَا أَثَرَ لِمَا وَضَعُوهُ مِنْ الْآدَابِ الْغَيْرِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الشَّرْعِ، أَوْ كَانَ فَاسِقًا؛ (لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا) مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ.

قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهِمْ. وَقَالَ: الصُّوفِيُّ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ يُعْتَبَرُ لَهُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي دِينِهِ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا لِغَالِبِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً؛ كَآدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ وَالنَّوْمِ وَالسَّفَرِ وَالصُّحْبَةِ وَالْمُعَامَلَةِ مَعَ الْخَلْقِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آدَابِ الشَّرِيعَةِ، قَوْلًا وَفِعْلًا، (وَلَا يُلْتَفَتُ لِمَا أَحْدَثَهُ) بَعْضُ (الْمُتَصَوِّفَةِ) مِنْ الْآدَابِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا فِي الدِّينِ، (مِنْ الْتِزَامِ شَكْلٍ مَخْصُوصٍ) فِي اللِّبْسَةِ وَنَحْوِهَا؛ (كَلِبَاسِ خِرْقَةٍ مُتَعَارَفَةٍ عِنْدَهُمْ مِنْ يَدِ شَيْخٍ) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسْتَحَبُّ فِي الشَّرِيعَةِ؛ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الشَّرْعِ.

(بَلْ مَا وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ) فَهُوَ حَقٌّ يُصَارُ إلَيْهِ، وَمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَهُوَ (بَاطِلٌ) لَا يُعَوَّلُ إلَيْهِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى اشْتِرَاطِهِ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَانِعًا بِالْكِفَايَةِ مِنْ الرِّزْقِ، بِحَيْثُ لَا يُمْسِكُ مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>