وَالْوَقْفُ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ، فَهُوَ بِالْعِتْقِ أَشْبَهُ، فَإِلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى.
وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ إخْرَاجَهُ عَنْ يَدِهِ لَيْسَ شَرْطًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ لَوْ شُرِطَ نَظْرُهُ لِنَفْسِهِ؛ سَلَّمَهُ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ ارْتَجَعَهُ مِنْهُ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": (وَلَا) يُشْتَرَطُ (فِيمَا) وُقِفَ (عَلَى) شَخْصٍ (مُعَيَّنٍ قَبُولُهُ) لِلْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالْمِيرَاثَ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْقَبُولُ؛ أَشْبَهَ الْعِتْقَ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَخْتَصُّ الْمُعَيَّنَ، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْبُطُونِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى جَمِيعِهِمْ، إلَّا أَنَّهُ مُرَتَّبٌ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لَا يَبْطُلُ بِرَدِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَا يَقِفُ عَلَى قَبُولِهِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ لِمُعَيَّنٍ.
وَإِذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ كَالْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، أَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْقَبُولُ كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ؛ لَمْ يُفْتَقَرْ إلَى الْقَبُولِ مِنْ نَاظِرِهَا وَلَا مِنْ غَيْرِهِ كَنَائِبِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ لَامْتَنَعَ صِحَّةَ الْوَقْفِ عَلَيْهَا.
(وَلَا يَبْطُلُ) الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ (بِرَدِّهِ) لِلْوَقْفِ، فَقَبُولُهُ لَهُ وَرَدُّهُ وَعَدَمُهُمَا سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ.
(وَيَتَعَيَّنُ مَصْرِفُ الْوَقْفِ إلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ) مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ لَهُ نَصًّا، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْوَاقِفِ لَهَا صَرْفٌ عَمَّا سِوَاهَا.
(فَلَوْ سُبِّلَ مَاءٌ لِلشُّرْبِ؛ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ) وَلَا الْغُسْلُ وَنَحْوُهُ وَكَذَا لَوْ سُبِّلَ مَاءٌ لِلْوُضُوءِ؛ لَمْ يَجُزْ الشُّرْبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ اتِّبَاعُ تَعْيِينِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ.
(وَيَتَّجِهُ وَلَا يَصِحُّ) الْوُضُوءُ وَنَحْوُهُ بِهِ؛ (لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبَاحٍ) ، أَشْبَهَ الْمَاءَ الْمَغْصُوبَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute