للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَلَوْ) تَنَازَعَ نَاظِرَانِ غَيْرُ مُسْتَقِلَّيْنِ بِالتَّصَرُّفِ فِي نَصْبِ إمَامٍ، نَصَّبَ أَحَدُهُمَا زَيْدًا، وَالْآخَرُ عَمْرًا؛ لَمْ تَنْعَقِدْ وِلَايَةُ الْإِمَامَةِ لِأَحَدِهِمَا، لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا. وَإِنْ اسْتَقَلَّا وَ (قُرِّرَا فِي وَظِيفَةٍ) وَسَبَقَ نَصْبُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ؛ انْعَقَدَتْ وَ (قُدِّمَ الْأَسْبَقُ) مِنْهُمَا دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لَمْ تُصَادِفْ مَحَلًّا (وَإِلَّا) بِأَنْ اتَّحَدَ وَاسْتَوَى الْمَنْصُوبَانِ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قُرِعَ صَاحِبُهُ قُدِّمَ؛ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ.

(وَيَتَّجِهُ) وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِيمَا وَظَّفَهُ (فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاكُ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (فِي) وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ، كَإِمَامَةٍ أَوْ خَطَابَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ (وَظَائِفِ أَوْقَافٍ حَقِيقِيَّةٍ) كَأَوْقَافِ التُّجَّارِ وَنَحْوِهِمْ؛ كَمَا لَا يَجُوزُ جَمْعُ شَخْصٍ وَاحِدٍ جُمْلَةً مِنْ الْوَظَائِفِ فِي وَقْفٍ، وَيَأْتِي. (بَلْ) يَجُوزُ اشْتِرَاكُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي وَظِيفَةٍ فِي أَوْقَافٍ صُورِيَّةٍ (كَأَوْقَافِ) الْأُمَرَاءِ وَ (الْمُلُوكِ) فَإِنَّ أَوْقَافَهُمْ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، وَأَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ فَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ.

وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ وَقْفَ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى جِهَاتِ الْخَيْرِ نُورُ الدِّينِ الشَّهِيدُ صَاحِبُ دِمَشْقَ، ثُمَّ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ صَاحِبُ مِصْرَ لَمَّا اسْتَفْتَيَا ابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ فَأَفْتَاهُمَا بِالْجَوَازِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إرْصَادٌ وَإِفْرَازٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ مُسْتَحِقِّيهِ، لِيَصِلُوا إلَيْهِ بِسُهُولَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَقْفٌ حَقِيقِيٌّ؛ إذْ مِنْ شَرْطِ الْمَوْقُوفِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاقِفِ، وَالسُّلْطَانُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِذَلِكَ. وَوَافَقَ ابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ عَلَى فَتْوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ، مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ.

وَحَيْثُ كَانَتْ هَذِهِ الْأَوْقَافُ الصُّورِيَّةُ إفْرَازًا وَإِرْصَادًا؛ فَلِلسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي ذَلِكَ، أَنْ يُقِيمَ وَكِيلًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ بِإِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا؛ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا رِيبَةَ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِ هَذَا النَّاظِرِ الْمَنْصُوبِ وَكِيلًا عَمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي غَايَةِ اللُّطْفِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>